[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بإذن الله تعالى نكمل الحديث على شروط الحديث الصحيح و قبل الشروع في ذلك نلخص ما سابق كي يتم التركيز على الأساسيات :
- عرفنا أن المتن هو (كلام النبي صلى الله عليه و سلم ).
- و الإسنادهو سلسلة الرجال الموصلة للمتن .
- و ذكرنا أنواع الحديث ، و عرفنا أن الشروط الواجب توفرها في الحديث حتى يحكم عليه بالصحة :
1- اتصال السند . 2- عدالة الرواة . 3- ضبط الرواة .4- عدم الشذوذ .5- عدم العلة .
و في الدرس السابق أخذنا الشرط الأول و هو اتصال السند : و عرفنا أنه يجب أن يخلوا اتصال الإسناد من ستة موانع (قوادح الاتصال ) و هي 1- التعليق 2- الإعضال 3- الانقطاع 4- الإرسال 5- التدليس 6-الإرسال الخفي .
و الشرط الثاني عدالة الرواة :
كي نفهم المعنى يجب أولا ً أن نعرف العدالة : وهي الدين و المروءة ، و يقال العدل هو : من عرف بأداء فرائضه و لزوم ما أمر به ، و توقي ما نهي عنه ، و تجنب الفواحش المسقطة للمروءة ، و تحري الحق و الواجب في أفعاله و معاملته ، و التوقي في لفظ ما يسقط الدين و المروءة ، فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل .
قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله : تثبت عدالة الراوي بأن ينص عليها واحد من العلماء المعرفين بالبحث في أحوال الرواة .
شرط عدالة الرواة :
و أنا أقرب الموضوع لكم بصورة توضيحية على شكل قمع أو مصفاة نطلق عليها (علم الرجال) يدخل منها الراوي فيتم الكشف عنه في عدت مراحل ففي نهاية القمع تكون النتيجة و الصورة أبلاغ من الكلام :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]نشرح الآن هذا القمع كيف يشتغل
أولاًُ : أن لا يكون الراوي كافراً أو فاسقاً :
فلا يقبل كافر بالإجماع في الرواية ، يعني يجب عند أداء الروية أن يكون مسلماً و قد يكون تحمل (سمع – تلقى ) الرواية و هو كافر . لأن الإسلام شرط أداء للرواية و ليس تحمل . كيف ؟
كلمة تحمل تعني : تلقي أي عندما سمع الحديث . و كلمة الأداء تعني : أنه عندما روى الحديث كيف كان حاله هل أستمر في الكفر أو إسلام . و من هنا نعلم أن شرط الراوي يجب أن يكون مسلم في حالة الأداء يعني قد يسمع الراوي الحديث و هو كافر ، ثم يرويه و هو مسلم و صلح إسلامه هذا تقبل منه الرواية .
مثال : قال البخاري ( حدثنا الحميدي حدثنا سفيان قال حدثوني عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون )كاد قلبي أن يطير . قال سفيان فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور لم أسمعه زاد الذي قالوا لي. )
فالصحابي الجليل جبير بن مطعم رضي الله عنه كان كافر عندما سمع و تحمل هذه الآية ، و لكن في الأداء كان الصحابي الجليل رضي الله عنه . فتقبل المسلمين الرواية و رواها البخاري في صحيحه .
أن لا يكون الراوي فاسقاً : أي السلامة من أسباب الفسق : و هو ارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر و المجاهرة به ، أما إذا كان تحمل ( تلقى أو سمع ) و هو فاسق و أدى و هو سليم من ذلك ، قبلت منه الرواية المثال على ذلك القصة الشهيرة التي تروي عن الإمام عبد الله بن مسلمة القعنبي تلميذ الأمام مالك بن أنس و الذي كان يشرب النبيذ في البصرة ويصحب الأحداث فدعاهم يوماً وقد قعد على الباب ينتظرهم فمر شعبة بن الحجاج أمام الحديث و الشهير على حماره والناس خلفه و حوله و هو يحدثهم ، فقام القعنبي و توجه إلى هذا الجمع و قل من هذا ؟ فقالوا له هذا شعبة . فقل من شعبة هذا ؟ فقالوا له محدث .فقال ماذا يعنى المحدث ؟ فقالوا له يقول أحاديث البني صلى الله عليه و سلم . فدخل داخل وسط الجمع إلى أن وصل إلى شعبة فقال له حدثني فقال له شعبة : ما أنت من أصحاب الحديث فأحدثك ، فأصر القعنبي على ذلك فقال له شعبة : حدثنا منصور عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود البدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأول إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ) فصدم هذا الكلام القعنبي فرجع إلى منزله فقام إلى جميع ما كان عنده من الشراب فكسره وقال لأمه الساعة أصحابي يجيئون فأخبريهم أنني خرجت ، ومضى من وقته يسأل على أعلم الناس فقالوا له الإمام مالك بن أنس في المدينة فسافر لطلب العلم من الإمام مالك و لازمه ثلاثين سنة إلى أن أصبح من أوثق الرواة عن مالك و أصبح مثلاً في الزهد و الورع ، قال الإمام الذهبي في سيرة أعلام النبلاء (عبد الله بن مسلمة بن قعنب الإمام الثبت القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن الحارثي القعنبي المدني نزيل البصرة ثم مكة) . و قال أمام النقد أبى حاتم الرازي : ثقة حجة لم أر أخشع منه و قال يحيى بن معين ما رأيت رجلاً يحدث لله إلا وكيعاً و القعنبي .
فضل و زهد الأمام القعنبي : (( قال محمد بن سعد الكاتب كان القعنبي عابدا فاضلا قرأ على مالك كتبه قال أبو بكر الشيرازي في كتاب الألقاب له سمعت أبا إسحاق المستملي سمعت أحمد بن منير البلخي سمعت حمدان بن سهل البلخي الفقيه يقول ما رأيت أحدا إذا رؤي ذكر الله تعالى إلا القعنبي رحمه الله فإنه كان إذا مر بمجلس يقولون لا إله إلا الله وقيل كان يسمى الراهب لعبادته و فضله و روى عبد الله بن أحمد بن الهيثم عن جده قال كنا إذا أتينا القعنبي خرج إلينا كأنه مشرف على جهنم قال محمد بن عبد الله الزهيري عن الحنيني قال كنا عند مالك فقدم ابن قعنب من سفر فقال مالك قوموا بنا إلى خير أهل الأرض)) فسبحان الله ، فرجع إلى البصرة ليأخذ عن شعبة بن الحجاج فلم يدركه لأنه كان قد مات أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج . فلم يروي حديث عنه ألا الحديث السابق .فرحمة الله تعالى على شعبة و القعنبي .
نستفيد من هذه القصة عدت أمور :
1- أن القعنبي كان من الفاسقين (أي أنه كان ساقط العدالة) عندما تحمل و سمع حديث شعبة ، و لكن عندما رواه عنه كان أماماً فاضلاً زاهداً فقبل منه .
2- أن القعنبي لم يروي عن شعبة بن الحجاج ألا هذا الحديث فقط .
3- أن القعنبي من رواة الموطأ للأمام مالك و من أوثقهم .
4- تذكرة بطلب العلم مهما كثرت الذنوب و أمدد العمر فلا تيأس بارك الله فيك و تقول المثل البغيض عديم النفع ( لما شاب خش الكًتاب أو أنا فاتني القطار ....الخ ) . فهل لنا قدوة بأمام مثل عبد الله بن مسلمة القعنبي رحمه الله تعالى .
ثانياً : أن لا يكون الراوي كاذباً و لا وضاعاً:
بمعنى أن لا يكون ممن عرف كذبه في الأحاديث على النبي صلى الله عليه و سلم و أختلقها و أختراعها من عند نفسه و يسمى حديث مكذوب أو الحديث الموضوع نفس المعنى أي يكون الراوي وضاعاً أي مخترع للأحاديث . و السؤال متى بداء الكذب على النبي صلى الله عليه و سلم ؟ يقول أهل العلم أن الكذب بداء بعد مقتل عثمان رضي الله عنه و بداية عصر علي رضي الله عنه حيث ظهرت أكبر طائفتين هم الخوارج و الشيعة ( الرافضة ) .
و قسم العلماء أصناف الكاذبون و أسباب كذبهم إلى :
1- الغافلون :لا ينوي شراً أو بالخطأ بدون قصد مثال ذلك : نوح بن أبي مريم الملقب بالجامع لأنه جمع علوم كثيرة ؟؟؟. حتى قال ابن حبان فيه (جمع كل شيء إلا الصدق ). و قال الذهبي في ترجمته (جمع الكمالات ألا الصدق) و أشتهر عنه تأليف الأحاديث في فضائل سور القرآن و تجدها بكثرة في الكشاف للزمخشري ، و التفسير الكبير للفخر الرازي و تفسير الثعلبي غيرها . و قال السيوطي : (( أما الحديث الطويل في فضائل القرآن سورة ، سورة فإنه موضوع كما أخرج الحاكم في المدخل بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة الجامع من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا فقال أني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة.))
أي أن نوح بن أبي مريم الجامع ، كان يكذب على النبي صلى الله علية و سلم لدفع الناس إلى القرآن و هو يعتقد أنه يفعل خير و لذلك قال فوضعته حسبة يعني حسبة لله !!!! يعني يكذب و ينتظر الأجر ، سبحان الله
و هذه الحديث المكذوب الطويل و نظراً لطوله نخذ منه بعض الكلام ( يس قلب القرآن – يس لما قرأت له - من قرأ سورة يس عشرة مرات كأنما قرأ القرآن كله - من قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله تعالى يوم القيامة بما أنعم عليه في دار الدنيا - ومن قرأ سورة ﴿إذا وقت الواقعة﴾ كتب ليس من الغافلين ....الخ) قال ابن الجوزي في الموضوعات بعد أن ذكره ( قد فرَّق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره، فذكر عند كل سورة منه مايخصها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما لأنهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرَّقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنه حديث مُحال).
2- الزنادقة للطعن في العقائد : و هذا النوع مثل الزنديق عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي وضع أربعة ألف حديث يحلل بها الحرام و يحرم به الحلال و قد قالها للوالي العباسي على البصرة فرد عليه الوالي و قال له : كيف أنت يا عدو الله بعبد الله بن المبارك و أبى إسحاق الفزاري يتخللانها وحدةً ، وحدةً و يخرجنها ، و أمر بضرب عنق الزنديق عبد الكريم بن أبي العوجاء .
3- تقرباً إلى الخلفاء والأمراء: من أمثلة هذا الصنف غياث بن إبراهيم حيث في مرة دخل على المهدي، وهو يلعب بالحمام فقيل له: حدث أمير المؤمنين ، فَسَاقَ سنداً وضع به حديثاً على النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ( لا سبق إلا في خفٍّ أو نصل أو حافرأو جناح ) فقال المهدي: أنا حملته على ذلك! ثم ترك الحمام، وأمر بذبحها.
4 – تقرباً إلى العامة بذكر الغرائب ترغيباً أو ترهيباً أو التماساً لمال أو جاه أو الشهرة مثل: القصاصين (الواعظين) الذين يتكلمون في المساجد بما يثير الدهشة من غرائب. نقل عن الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين أنهما صليا في مسجد الرصافة، فقام قاص يقص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، ثم ساق سنداً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ( من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان...)، وذكر قصة طويلة، فلما فرغ من قصصه، وأخذ العطيات، أشار إليه يحيى بيده ، فأقبل متوهماً لنوال، فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث؟ قال: أحمد بن حنبل و يحيى بن معين! فقال: أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! فقال القاص : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققت هذا إلا هذه الساعة، كأن ليس فيها يحيى بن معين و أحمد بن حنبل غيركما! لقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فوضع أحمد كمه على وجه من الضحك قال: دعه يقوم فقام كالمستهزئ بهما.
5 - المتعصبون لمذهب أو لطائفة :
مثل تعصب أحد الكاذبين لأبي حنيفة أخترع سنداًَ و قال ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (أبي حنيفة سراج أمتي و يأتي رجلاً بعده أسمه محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس )) و محمد بن إدريس هو الشافعي رحمه الله . أستغفر الله العظيم .
أخر شرط من شروط عدالة الرواة و هو ثالثاً : أن لا يكون مبتدعاً:
و يقصد هنا البدعة المكفرة مثل غلاة الشيعة أو غلاة الصوفية و كذلك المجسمة فهؤلاء لا تقبل روايتهم . و أما من لديه بدعة و لك ليست مكفرة فهذا فيه خلاف عند أهل العلم و الراجح أنها تقبل كما يقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله ( العبرة في الرواية بصدق الراوي و أمانته و الثقة بدينه و خلقه ، و المتتبع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البدع موضعاً للثقة و الاطمئنان و إن رووا ما يوافق رأيهم ، و يرى كثيراً منهم لا يوثق بأي شيء يرويه ) .
مثل ذلك أبان بن تغلب الكوفي حيث قال الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمته ( أنه شيعي جلد و لكنه صدوق فلنا صدقة و عليه بدعته ) . و قال الذهبي أيضاً ( فلقائل أن يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع ، وحد الثقة العدالة و الإتقان ، فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة ؟ و جوابه : أن البدعة على ضربين : فبدعة صغرى كغلو التشيع أو التشيع بلا غلو ) . و يقصد بالتشيع بلا غلو أنه من قدم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه و ليس من كفر الشيخان و أغلب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
و السؤال هل كشف كل الكذابين على النبي صلى الله عليه و سلم ؟
الحمد لله تم كشف كل الكذابين و تنقية الأحاديث ، حتى إلى أن قال الإمام الحافظ الكبير الدارقطني و هو على المنبر يخطب بالناس ( يأهل بغداد لا يطمعنا أحدكم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا حي )
أخواني بارك الله فيكم ، أختم كلامي في هذا الدرس و أجيب على تسأل قد يطرح و هو ما الفائدة من كل هذه القواعد و الأساسيات ومعرفتها و نحن لسنا طلاب حديث ؟ و الجواب في هذه النقاط :
1- عندما تطالع أحد كتب الحديث و تجد تخريج حديث و تجد أن الناقد قال أن هذا الحديث ضعيف أو منكر أو ..... و السبب أنه منقطع الاتصال أو أن الراوي قد عنعن . هنا لو لم تكن تعرف معنا هذه المصطلحات كيف سوف تفهم سبب الضعف .
2- التحصين : و هو أن تكون محصن ضد الأحاديث الباطلة و المكذوبة فمن خلال تجولي في بعض المواقع و المنتديات و جدت كثيراً و كثيراً جداً من الأحاديث الباطلة و المكذوبة و تألف عليها القصص و الإحكام و العقائد !!! فعندما تعرف و تفهم مثل هذا القواعد سوف تكون بإذن الله تعالى قد تم تحصينك و الحمد لله .
3- معرفة قيمة الحديث الصحيح : فعندما ترى كل هذه القواعد و هذه التركيز الشديد حتى في الألفاظ سوف يتضح أنه ما قال أحد من أهل الحديث أن هذا حديث صحيح أو ضعيف ألا و قد تعب و أخد وقت و جهد منه كي يصل إلى ذلك ، فالموضوع ليس باليسير أن يتصدر له أي إنسان و هذا أيضاً يحملنا على تقدير و معرفة فضل أهل الحديث .
بإذن الله تعالى نكمل الحديث على شروط الحديث الصحيح و ذكرنا شروط الحديث الصحيح و هي :
1- اتصال السند . 2- عدالة الرواة . 3- ضبط الرواة .4- عدم الشذوذ . 5 - عدم العلة .
و اتصال السند : يجب أن يخلوا من قوادح الاتصال و هي 1- التعليق 2- الإعضال 3- الانقطاع 4- الإرسال 5- التدليس 6-الإرسال الخفي .
و تكلمنا على الشرط الثاني و هو عدالة الرواة و قلنا أن العدالة هي الدين و المروءة و قلنا أن الراوي يجب أن يكون ملتزم دينياً و خلقياً و أن لا يكون سفيهاً مثلا ً لدرجة أن بعض العلماء جعل من أكل من الطريق خرقاً للمروءة فلا تقبل روايته .
و تكلمنا على شروط العدالة و هي 1- أن لا يكون كافراً و لا فاسقاً في حالة الأداء (عندما يكون شيخاً يحدث ) . 2 – أن لا يكون كاذباً و عرفنا أن الحديث الموضوع هو نفس الحديث المكذوب ، يعني ما تم اختراعه أو صنعه ، و يقال للراوي وضاعاً أي أنه وضع و اخترع إسناداً و متن و حدث به . و قسمنا أنواع الكذابين و أسباب كذبهم إلى خمسة أنواع : أ- الجاهلون ( الغافلون ) – ب- الزنادقة ج- المتقربون من الأمراء (لإغراض سياسية ) د- المتقربون من العامة (لغرض المال و الشهرة) هـ- المتعصبون للمذاهب و الطوائف .و هناك تقسيمات أخرى و لكن هذه الأشهر عند العلماء ، 3- أصحاب البدعة و قسمنهم إلى مجموعتان الأولى : الغلاة : كغلاة الشيعة (الرافضة) ، و المجموعة الثانية : من لديه بدعة خفيفة و هذا من تقبل روايته .
و الشرط الثالث ضبط الراوي :
و يقصد بضبط الراوي ببساطة أن يكون حافظ و لا يختلط عليه الأمر و يعلم أن الإسناد الذي يقوله هو للمتن السليم و يحتفظ بذلك من وقت التحمل إلى وقت الأداء بمعنى يروي كما قال له شيخه و لا يزيد و لا ينقص حرفاً ، و يجب أن يكون عالماً بدليل الألفاظ و المعاني ، يعني أن يكون متقن لهذه الصنعة و أحاط به ، فيقال: ضبط فلان كذا أي أتقنه وأحاط به و قد يحدث الخطأ مرة أو أثنين و لكن إذا زاد عن ذلك بمعنى كثر خطأه ترد روايته بمعنى ( ضعيف الذاكرة أو قليل الفهم ) . و قسم العلماء الضبط إلى قسمان الأول ضبط صدر : بمعني أن يكون حافظ و متثبت من الحفظ بحديث يسترجعه في الوقت المناسب دون زيادة و لا نقصان .
و الثاني ضبط كتاب : و هو أن يكتب الأحاديث التي يتلقها على شيخه و أن يراجعها شيخه أو أن يخذها على كتاب شيخه و شرطها أن يكون متقن للغة العربية و للنحو و الإملاء . إلى أن يحفظها في صدره و يراجعها و هكذا . و أن لا يفرط في الكتاب و لا يهمله و لا يضيعه فمن كان هذا طبعه و لوحظ عليه ذلك لا تقبل روايته .
فضبط الكتاب لا ينافي ضبط الصدر، وإنما اشترط العلماء ضبط الكتاب لأنه وقع من بعض الرواة تفريط في حفظ كتبهم التي سجلوا فيها الأحاديث أو نقلوا فيها ما سمعوه من أشياخهم، فدخل عليهم الخلل من هـٰذا الطريق.
فتجد مثلاً أن قيس بن الربيع وهو من الأئمة في الدين من حيث الديانة والاستقامة، وقد وثقه جماعة من المحدثين إلا أنه يضعّف من قِبل أن ابنه أدخل عليه في كتابه، فكان يحدث من هذا الكتاب الذي أدخل فيه ابنه أشياء ليست منه، فأدخل عليه في حديثه . يعني أنه تم تزوير الكتاب من قبل أبنه و هو غافل على ذلك فهو ضعيف الرواية بسبب ذلك .
و السؤال المهم كيف يعرف العلماء أن فلان مثلاً ضابط أو لا ؟
وأن الأئمة رحمهم الله لم يتركوا وسيلة من الوسائل التي يكتشفون بها عدالة الراوي، أو ضبطه إلا وسلكوها تارة بتتبع سيرة الراوي والنظر فيها، وفي أحواله، وفي كسبه، وفي تعامله، وفي صلاته، وفي أحواله كلها، وأحيانا بتوجيه الأسئلة له متى ولدت؟ متى دخلت البلد الفلاني؟ متى سمعت من فلان؟ يختبرونه هذا بالنسبة للعدالة، وكذلك الضبط و هذا الأمر مهم يعني دائماً الراوي في حالة اختبار و لزيادة الفائدة نأخذ مثلاً القصة التي أوردها الخطيب في تاريخ بغداد . على شدت حفظ الإمام البخاري : (( قال بن عَدِيّ : سمعت عدة مشايخ يحكون: أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحابُ الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متنَ هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسنادَ هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أَنْ يُلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضرالمجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين. فلمَّا اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجلٌ من العشرة فسأله عن حديثٍ من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فما زال يُلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاريُّ يقول: لا أعرفه. فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فَهِم الرجل ، ومن كان فَهِمَ منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ. ثم انتدب إليه رجلٌ آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاريُّ: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يَزَلْ يُلقي عليه واحداً بعد واحدٍ حتى فرغ من عشرته والبخاريُّ يقول: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاريُّ لا يزيدهم على لا أعرفه. فلمَّا عَلِمَ البخاريُّ أنهم قد فَرَغُوا التفت إلى الأول منهم فقال: أمَّا حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة. فرَدَّ كلَّ متنٍ إلى إسناده، وكُلَّ إسنادٍ إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ردَّ متونَ الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدَها إلى متونها ، فأقرَّ الناسُ له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.
قال الحافظ العراقي ( ما العجبُ من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتِّساع معرفته، وإنما يُتعجب منه في هذا لكونه حَفِظَ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرَّةٍ واحدة. )
و يقصد أنه من شدت حفظ الإمام و صل إلى درجة حفظه أحاديث من سأله و حفظ من سأله من مرة واحدة !!!!! و هذا يدل على أن أهل الحديث دائمين على امتحان الراوي بعدت طرق و قد تكون في بعض الأحيان طريفة جداً . و يسجلون أي ملاحظة و لو كان صغيرة لأنها قد تفيد غيرهم .
سؤال إذا كان الراوي حافظاً و ثابتاً و فقد هذا الحفظ بطول المدة هل يأخذ برويته ؟
يقول العلماء في هذه المسألة أنه ينظرون أي سنة و أي شهر و أي يوم حدث معه ذلك أي ( فقد ضبطه ) و فيأخذون روايته قبل ذلك التاريخ و بعده لا تأخذ روايته و لذلك تجد العديد من المصنفات في تراجم العلماء و أهل الحديث و تاريخ ولادتهم و وفاتهم و كل شيء عنهم و حتى ابسط المواضيع عليهم قد دونها العلماء ، و من هنا نعلم إن قوادح ضبط الراوي هي :
1- الغفلة : بأن يكون الراوي كثير الغفلة، فإذا كثرت غفلة الراوي دل ذلك على قلة ضبطه وضعفه.
2- كثرة غلطه : فإذا كثر غلطه كان ذلك دليلاً على عدم ضبطه.
3- الوهم : فإن من كان كثير الوهم دل ذلك على ضعف ضبطه.
4- سوء الحفظ : فإنه يدل على ضعف الضبط .
5- مخالفة الثقات : يدل على أن الضبط ضعيف لأنه إذا جرى من الراوي مخالفة لمن هم أوثق منه فإنه يستدل بذلك على ضعف ضبطه ويوصف الحديث بأنه شاذ ، فهـذه تتصل بالشذوذ وتتصل أيضاً بخفة الضبط .
رغم أنه عدل و تتوفر فيه شروط العدالة و لا تقبل روايته بسبب أنه فقد شرط من شروط ضبط الراوي.
و الشرط الرابع من شروط الحديث الصحيح هو عدم الشذوذ :
الحديث الشاذ هو الحديث الذي يرويه الثقة ويخالف فيه الرواة الثقات و قد يكون : شاذاً في الإسناد أو شاذاً في المتن(لفظاً) أو شاذاً في الإسناد و المتن معاً .
مثل : الحديث الذي يرويه معمر بن راشد عن الزهري عن سعيدعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وقعت الفأرة في السمن، فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوها ).
فهذا الحديث شاذ إسناداً و متناً ، كيف ؟
أولاً : إسناداً :معمر بن راشد وهو وإن كان ثقة لكنه خالفه غيره من الرواة في رواية هذا الحديث عن الزهري،فمعمر رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، بينما بقية الرواة رووه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها .
ثانياً : لفظاً (متناً) : لأن معمر رواه باللفظ الذي ذكرناه وفيه تفصيل بين السمن الجامد والمائع ولكن غيره من الرواة رووه بلفظ: انزعوه وما حوله فاطرحوه. ليس فيه التفصيل الذي في رواية معمر: فإن كان جامدا فألقوها . أي عن ميمونة رضي الله عنها : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن ؟ فقال : انزعوها و ما حولها فاطرحوه )) .السلسلة الضعيفة للعلامة الألباني .
و لم يبقى ألا شرط أخير و هو أصعب الشروط و أصعب علوم الحديث و هو علل الحديث . و لم يتكلم فيه ألا الراسخون في العلم .
و أسأل الله أن يعينني على أن أوصل لكم المعلومة بأسهل الطرق
فأسأل الله سبحانه و تعالي أن أكون وفقت في شرح الشروط السابقة و بقى درس واحد في شروط الحديث الصحيح ، و بعده بإذن الله يصبح الموضوع سهل كل ما نقص شرط يصبح للحديث أسم و معنى و هذا ما سوف نتعرف عليه أن شاء الله و إن أمد الله سبحانه و تعالى في عمرنا و عمركم بارك الله فيكم.