التصدق على زانية وسارق وغني
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخرج أحمد والشيخان والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ قال رجل لأتصدقنَّ الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبح الناس يتحدثون : تـُـصِّـدق على زانية ..فقال : اللهم لك الحمد .. على زانية ؟!
لأتصدقن الليلة بصدقة فوضعها في يد غني فاصبحوا يتحدثون : تـُـصِّـدق على غني .. قال : اللهم لك الحمد .. على غني ؟!
لأتصدقن الليلة فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون : تـُـصِّـدق الليلة على سارق .. فقال : اللهم لك الحمد .. على زانية وعلى غني وعلى سارق ؟!
فأتي فقيل له : أمّـا صدقتك فقد قـُـبِـلتْ ؛ و أمّـا الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا ، و لعلَّ الغني يَـعتبِـر فينفق مما أعطاه الله ، و لعلَّ السارق أن يستعف بها عن سرقته ]
إنَّ المتأمِّل لهذا الحديث يجِد في ألفاظه تفاؤل و الحث على توسيع دائرة أُفق البصر ..
ليرى الإنسان بواسِع اُفقه ، الجميل فيما ينتابه و يصيبه .
إنَّ أكثرَ ما يزيد على الإنسان هَمّه ، هو اقتصاره على نظرة التشاؤم ، و النظر إلى السيئ مِن ما يقدّره الله عليه و مِما يصيبه .
ألَم يكن مِن دعائه عليه الصلاة و السلام [ و الشرُّ ليس إليك ] ؟؟
فالله عز و جل أرحمُ بنا و ألطف مِن أن ينزل بنا البلاء لذات البلاء ..
بل إن في المِحنة مِنحة .. و في البلاء عافية .
و لو كُشِف لنا القَدَر لحمدنا الله عز و جل على عظيم لُطْفه و صـَـرْفـِـه للشر عنّا .
حين يحلُّ بالمؤمن رزيّة أو عظيمُ بليـّـة فهو يحتاج لإيمان و يحتاج إلى حُسن تفاؤل .
حين نتأمّل في أسماء الله الحُسنى و صفاته العُلى ..
نجده سبحانه ..
الرحيم ، الحكيم ، اللطيف ، المنّان ، السلام ........... إلى آخره مِن الأسماء و الصفات التي تدلُّ على أنّه سبحانه أحكمُ مَن عدل و أعدلُ مَن حكم .
و أنّه سبحانه له مِن الإحسان على عباده ما لم يمكن إدراكه أو إحصاؤه .
{ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
يقول فضيلة الشيخ د . عائض القرني – حفظه الله - :
( إذا داهمتكَ داهيةٌ فانظر إلى الجانبِ المُشرِقِ منها ، و إذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضِف إليه حُفنة مِن سُكّر ، و إذا أهدى لكَ ثعباناً فخذ جِلده الثمين و اترك باقيه ، و إذا لدغتكَ عقرب فاعلم أنّه مَصْلٌ واقٍ و مناعةٌ حصينة ضد سُم الحيّات )
إننا بحاجة كبيرة لمثل هذا التفاؤل و حُسن الظن ..
مِن المؤسِف أن نجِد مسلماً قد حلّ به بلاءٌ مِن ربّه ..
فنجِده كسير النفس قد ظنَّ بربّه ظنّ السوء ، و ظنَّ أنّ الذي هو فيه شر كله و بلاء كله
فلا يجِد لنفسه أملٌ يعيش عليه و لا منفذَ نورٍ ينظرُ مِن خلاله .
{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
و لو عَميَ البصرُ عن كل جميل فيما يصيبه مِن هموم و أحزان فليتفكّر في عظيم الأجر مِن الله إن هو صبر و آمن و علِم أنّه لا ملجأ مِن الله إلا إليه .
أليسَ هذا الأمر يكفي كي تعيش النفس مطمئنة و لو أحرقتها نيران الأسى و تصدّعت بنيانها مِن ريح الأحزان ؟؟
و أخيراً أقول قوْلَ الشاعِر :
و كـَـمْ لله مـِـن لُطـــفٍ خفــيٍّ = يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَـِـهْمِ الذَّكِيِّ
وَ كَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ = فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ
وكم أمــرٍ تـُسـاءُ به صباحاً = وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَــــشِيِّ
إذا ضاقتْ بك الأحوال يوماً = فَثِقْ بالواحِدِ الفَــــرْدِ العَلِيِّ
وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نــابَ خَطْبٌ = فكـَــم للهِ مـِـــــن لُطفٍ خفي
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .