قال الله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]
المسألة الأولى: ما الحكمة في إضافة الصراط إلى قوله تعالى : ﴿الذين أنعمت عليهم﴾ [الفاتحة: 7] بهذا اللفظ ولم يذكرهم بخصوصهم فيقول صراط النبيِّين والصدِّيقين فلِمَ عدل إلى لفظ المبهم دون المفسَّر؟
ففيه ثلاث فوائد:
إحداها: إحضار العلم وإشعار الذهن عند سماع هذا، فإنَّ استحقاق كونهم من المنعم عليهم هو بهدايتهم إلى الصراط فيه صاروا من أهل النعمة، وهذا كما يعلِّق الحكم بالصلة دون الاسم الجامد لِما فيه من الإنعام باستحقاق ما عُلِّق عليها من الحكم بها. وهذا كقوله تعالى: ﴿الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم﴾[ البقرة: 274 ]، ﴿والذي جاء بالصدق وصدَّق به أولئك هم المتَّقون﴾ [الزمر: 33 ]، ﴿إن الذين قالوا ربُّنا الله ، ثمَّ استقاموا فلا خوفٌ عليهم﴾ [الأحقاف: 13]، وهذا الباب مطَّردٌ فالإتيان بالاسم موصولاً على هذا المعنى من ذكر الاسم الخاصِّ.
الفائدة الثانية: فيه إشارةٌ إلى أنَّ نفي التقليد عن القلب واستشعارَ العلم بأنَّ من هُدي إلى هذا الصراط فقد أنعم عليه، فالسائل مستشعرٌ سؤال الهداية وطلب الإنعام من الله عليه، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أنَّ الأوَّل يتضمَّن الإخبار بأنَّ أهل النعمة هم أهل الهداية إليه، والثاني يتضمَّن الطلب والإرادة وأن تكون منه.
الفائدة الثالثة: أنَّ الآية عامَّةٌ في جميع طبقات المنعم عليهم، ولو أتى باسمٍ خاصٍّ لكان لم يكن فيه سؤال الهداية إلى صراط جميع المنعم عليهم، فكان في الإتيان بالاسم العامِّ من الفائدة أنَّ المسؤول الهدي إلى جميع تفاصيل الطريق التي سلكها كلُّ من أُنعم عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وهذا أجلُّ مطلوبٍ وأعظمُ مسؤولٍ، ولو عرف الداعي قدر هذا السؤال لجعله هجِّيراه وقرَنَه بأنفاسه، فإنه لم يدع شيئًا من خير الدنيا والآخرة إلاَّ تضمَّنه، ولمَّا كان بهذه المثابة فرضه الله على جميع عباده فرضًا متكرِّرًا في اليوم والليلة لا يقوم غيره مقامه، ومن ثمَّ يُعلم تعيُّن الفاتحة في الصلاة وأنها ليس منها عوضٌ يقوم مقامها.
[«بدائع الفوائد» لابن القيِّم: (2/18)]
نقلا من موقع الشيخ فركوس حفظه الله