﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]
المسألة الثالثة: وهي ما فائدة زيادة لا بين المعطوف والمعطوف عليه ففي ذلك ثلاث فوائد:
أحدها: أنَّ ذكرها تأكيدٌ للنفي الذي تضمَّنه "غير" فلولا ما فيها من معنى النفي لما عُطف عليها ﺑ "لا" مع الواو، فهو في قوة لا المغضوب عليهم ولا الضالين، أو غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين.
الفائدة الثانية: أنَّ المراد المغايرة الواقعة بين النوعين وبين كلِّ نوعٍ بمفرده، فلو لم يذكر لا وقيل: غير المغضوب عليهم والضالِّين؛ أوهم أنَّ المراد ما غاير المجموع المركَّب من النوعين لا ما غاير كلَّ نوعٍ بمفرده. فإذا قيل: ولا الضالِّين كان صريحًا أو أنَّ المراد صراط غير هؤلاء وغير هؤلاء. وبيان ذلك أنك إذا قلت: ما قام زيدٌ وعمر فإنما نفيت القيام عنهما، ولا يلزم من ذلك نفيه عن كلِّ واحدٍ منهما بمفرده.
الفائدة الثالثة: رفعُ توهُّم أنَّ الضالِّين وصفٌ للمغضوب عليهم وأنهما صنفٌ واحدٌ وُصفوا بالغضب والضلال ودخل العطف بينهما، كما يدخل في عطف الصفات بعضها على بعض نحو قوله تعالى: ﴿قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون﴾ [المؤمنون: 1-3 ]، إلى آخرها فإنَّ هذه صفاتٌ للمؤمنين، ومثل قوله: ﴿سبِّح اسم ربك الأعلى ، الذي خلق فسوَّى ، والذي قدَّر فهدى﴾ [الأعلى: 1-3]، ونظائره فلمَّا دخلت "لا" عُلم أنهما صنفان متغايران مقصودان بالذكر وكانت "لا" أَوْلى بهذا المعنى من "غير" لوجوهٍ:
أحدها: أنها أقلُّ حروفًا.
الثاني: التفادي من تكرار اللفظ.
الثالث: الثقل الحاصل بالنطق ﺑ«غير» مرَّتين من غير فصلٍ إلا بكلمةٍ مفردةٍ، ولا ريب أنه ثقيلٌ على اللسان.
الرابع: أنَّ «لا» إنما يُعطف بها بعد النفي، فالإتيان بها مؤذنٌ بنفي الغضب عن أصحاب الصراط المستقيم كما نفى عنهم الضلال وغيره. وإن أفهمت هذا فلا أدخل في النفي منها.
[«بدائع الفوائد» لابن القيم (2/33)]