بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
روى الدارمي في سننه قال: أخبرنا الحكم بن مباركٍ أخبرنا عمرو بن يحيى قال: سمعت أبي يحدِّث عن أبيه قال: كنَّا نجلس على باب عبد الله بن مسعودٍ قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج فلمَّا خرج قمنا إليه جميعًا، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟. فقال: إن عشت فستراه. قال: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كلِّ حلقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصًى فيقول: كبِّروا مائةً فيكبِّرون مائةً، فيقول هلِّلوا مائةً فيهلِّلون مائةً، يقول سبِّحوا مائةً فيسبِّحون مائةً. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك وانتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيِّئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثمَّ مضى ومضينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحِلَق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصًى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعُدُّوا سيِّئاتكم فأنا ضامن لكم أن لا يضيع من حسناتكم شيءٌ. ويحكم يا أمَّة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملَّةٍ هي أهدى من ملَّة محمَّدٍ أو مفتتحو باب ضلالةٍ؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حدَّثنا أنَّ قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقِيَهم، وايم الله ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم، ثمَّ تولَّى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامَّة أولئك الحِلَق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
[«مقدمة سنن الدارمي» (210)]
نقلا من موقع الشيخ فركوس