السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمان الرحيم
نقرأ سورة الكهف كل جمعة ..
وقد لايغفل الجميع عن فضل قراءة هذه السورة في هذا اليوم
أحب قصة سيدنا موسى عليه السلام .. مع الخضر
وأستمتع كثيراً عند قرائتها ..
هذه المرة أحببت أن أعرف تفاصيل هذه القصة
لكي نجد فيها المتعة الأكثر في المرات القادمة باذن الله
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا
بدأت حكاية موسى عليه السلام مع الخضر عليهما السلام ،
حينما كان عليه الصلاة والسلام يخطب يوماً في بني إسرائيل،
فقام أحدهم سائلاً: هل على وجه الأرض أعلم منك؟
فقال موسى: لا، إتكاءً على ظنه أنه لا أحد أعلم منه،
فعتب الله عليه في ذلك، لماذا لم يكل العلم إلى الله،
وقال له: إنَّ لي عبداً أعلم منك وإنَّه في مجمع البحرين،
وذكر له أن علامة مكانه هي فقد الحوت،
فأخذ حوتاً معه في مِكْتَل وسار هو وفتاه يوشع بن نون،
وحكت لنا سورة الكهف كيف التقى مع العبد الصالح الخضر،
إذ بدأت الحكاية في القرآن الكريم بعزم موسى عليه السلام
على الرحلة إلى مَجْمع البحرين في طلب العلم ،
كما قال تعالى :
" وَإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ
أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ".
ثم تتابعتْ الأحداث حيث نسيا الحوت وواصلا طريقهما،
ثم تنبها لنسيانه فعادا،
ولقي موسى عليه السلام الخضر عند مجمع البحرين،
والخضر (و القول بنبوته قوي )
عبد صالح وهبه الله نعمة عظيمة من العلم وفضلاً كبيراً:
"فوَجَدَا عبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً".
في هذه الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب ,
ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل منه
وتستمر القصة حين يعرض موسى عليه السلام على الخضر مرافقته لطلب العلم،
والشرط بينهما،
وما حصل أثناء هذه الرحلة من أحداث،
في تسلسل قرآني جميل
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا .
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا
أي إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي ;
لأن الظواهر التي هي علمك لا تعطيه ,
وكيف تصبر على ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه , ولا طريق الصواب .
والأنبياء لا يقرون على منكر ,
ولا يجوز لهم التقرير أي لا يسعك السكوت
جريا على عادتك وحكمك
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا . وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا
ثم انطلقا، وحصلت المواقف التي لم يصبر موسى عليها، وكان الختام حين افترقا،
ليقدم المعلم للمتعلم تفسيراً لكل ما حصل
هنا
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ
حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا
أي حتى أكون أنا الذي أفسره لك ,
وهذا من الخضر تأديب وإرشاد لما يقتضي دوام الصحبة ,
فلو صبر ودأب لرأى العجب ,
لكنه أكثر من الاعتراض فتعين الفراق والإعراض .
وهنا تبدأ رحلتهم وقصتهم في هذه الآيات
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا .
قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا
فلما ركبا في السفينة لم يفاجأ موسى إلا والخضر قد قلع منها لوحا
من ألواح السفينة بالقدوم ,
فقال له موسى : قوم حملونا عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها
" لقد جئت شيئا إمرا أي منكراً.
قال إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " )
قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وكانت الأولى من موسى نسيانا )
قال : ( وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة في البحر ,
فقال له الخضر :
ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر )
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ
قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا .
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي
قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا
البخاري قال : ( وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين )
" قال أقتلت نفسا زكية "
وفي الصحيحين وصحيح الترمذي :
( ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر
غلاما يلعب مع الغلمان ,
فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله ,
قال له موسى : " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا .
قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا "
قال : وهذه أشد من الأولى . " قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني
قد بلغت من لدني عذرا " )
لفظ البخاري .
وفي التفسير : إن الخضر مر بغلمان يلعبون فأخذ بيده غلاما ليس فيهم أضوأ منه ,
وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه , فقتله . قال أبو العالية : لم يره إلا موسى ,
ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام .
وهنا .. اشترط موسى عليه السلام عندما قال
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا
شرط وهو لازم ,
والمسلمون عند شروطهم ,
وأحق الشروط أن يوفى به ما التزمه الأنبياء ,
والتزم للأنبياء
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا
فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا
فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
في صحيح مسلم عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم : لئاما ;
فطافا في المجالس ف " استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما
فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض "
يقول : مائل قال : " فأقامه " الخضر بيده
قال له موسى : قوم أتيناهم فلم يضيفونا , ولم يطعمونا " لو شئت لاتخذت عليه أجرا ,
قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما ) .
واختلف العلماء في القرية
ثم هنا
جاء تفسير الخضر .. لموسى عليه السلام ..
للأمور التي لم يفهمها
ولم يصبر عليها معه
إن السفينة إنما خرقتها لأعيبها لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلمة
" يأخذ كل سفينة " صالحة أي جيدة " غصبا "
فأردت أن أعيبها لأرده عنها لعيبها فينتفع بها أصحابها المساكين
الذين لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها
وقد قيل إنهم أيتام
هذا الغلام كان اسمه حيثور
وفي هذا الحديث عن ابن عباس عن أبي بن كعب
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا "
رواه ابن جرير من حديث ابن إسحاق عن سعيد
عن ابن عباس به
ولهذا قال " فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا "
أي يحملهما حبه على متابعته على الكفر
قال قتادة : قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه
حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما
فليرض امرؤ بقضاء الله
وقوله " فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما "
أي ولدا أزكى من هذا وهما أرحم به منه
قاله ابن جريج
وقال قتادة : أبر بوالديه
أما الجدار إنما أصلحته لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما
وقيل كان تحته مال مدفون لهما
وهو ظاهر السياق من الآية
------------------------------
هنا .. ولله الحمد
اكتملت قصة سيدنا موسى مع الخضر
أحب أن أذكر لكم .. بعض الفوائد
التي خرجنا بها من القصة
(1)
أن العلم الذي يعلمه الله لعباده نوعان :
علم مكتسب يدركه العبد بجهده واجتهاده .
ونوع علم لدني ، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده
لقوله : ( وعلمناه من لدنا علمًا )
(2)
التأدب مع المعلم
(3)
تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه ،
فإن موسى - بلاشك - أفضل من الخضر .
(4)
أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم ،
وحسن الثبات على ذلك ، أنه ليس بأهل لتلقي العلم
(5)
تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة ، وأن لا يقول الإنسان للشيء :
إني فاعل ذلك في المستقبل ،
إلا أن يقول : ( إن شاء الله )
(6)
أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه ،
لا في حق الله ، ولا في حقوق العباد
لقوله : ( لا تؤاخذني بما نسيت )