الأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى : (فصل لربك وانحر) والمشهور ان المراد صلاة العيد ، وهي فرض كفاية ، وقيل : فرض عين ، وقال مالك : سنة مؤكدة لقوله في الخمس : " هل علىَّ غيرها ؟ قال : لا " ولنا على وجوبها في الجملة مداومته صلى الله عليه وسلم ولأنها من الأعلام الظاهرة ، والحديث لا حجة لهم فيه لأن الأعراب لا جمعة عليهم فالعيد أولى ، وأيضاً وجوب الخمس وتكررها لا ينفي وجوب غيرها نادراً كصلاة الجنازة والمنذورة ، ويستحب إظهار التكبير في ليلتي العيد في المساجد والمنازل والطرق للمقيم والمسافر قال أحمد : كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعاً وأوجبه داود في الفطر لظاهر الآية وليس فيها أمر وإنما أخبر عن إرادته تعالى .
ويتسحب التكبير في أيام العشر كلها قال البخاري : كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
ويتسحب الاجتهاد في عمل الخير لحديث ابن عباس ، ولا خلاف أن التكبير مشروع في عيد النحر واختلفوا في مدته فذهب أحمد إلى أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق لحيديث جابر ، وقيل لأحمد : بأي حديث تذهب إلى ذلك قال : بإجماع عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود . والمشروع التكبير عقيب الفرائض في الجماعات ، قيل لأحمد تذهب إلى فعل ابن عمر أنه لا يكبر إذا صلى وحده قال : نعم ، وقال مالك : لا يكبر عقيب النوافل ويكبر عقيب الفراض كلها ، وقال الشافعي : يكبر عقيب الفريضة والنافلة ، والمسافر كالمقيم وكذا النساء يكبرن خلف أبان ابن عثمان وعمر بن عبد العزيز ، والمسبوق يكبر إذا فرغ في قول الأكثر وقال الحسن : يكبر ثم يقضي .
ويستحب أن يغتسل للعيد وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ما يجد ، قال مالك : أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد وقال أحمد : طاوس يأمر بزينة الثياب وعطاء قال : هو يوم تخشع وأستحسنهما جميعاً .
ويستحب للمعتكف الخروج في ثياب اعتكافه ، والسنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي لا نعلم فيه خلافاً ، ويفطر على التمر ويأكلهن وتراً لحديث أنس رواه البخاري . قال أحمد : والأضحى لا يأكل فيه حتى يرجع إذا كان له ذبح وإذا لم كين له ذبح لم يبال أن يأكل . ويصلي العيد في المصلى ، وحكي عن الشافعي إذا كان المسجد واسعاً فهو أولى لأنه خير البقاع ، ولنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك الأفضل مع قربه ويتكلف الناقص مع بعده ولا يشرع لأمته ترك الفضائل ، والنفل في البيت أفضل مع شرف المسجد ، ويستخلف من يصلي بضعفة الناس كما فعل علي ، وإن كان عذر من مطر أو غيره يمنع الخروج صلوا في المسجد لحديث أبي هريرة رواه أبو داود .
ويستحب التكبير بعد صلاة الصبح إلا الإمام فيتأخر إلى وقت الصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله ، قال أبو سعيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة رواه مسلم ، ويخرج ماشياً وعليه السكينة والوقار ، قال علي : إن من السنة أن يأتي العيد ماشياً ، حسنه الترمذي ، وإن ركب لعذر فلا بأس ، ويكبر في الطريق ويرفع صوته بالتكبير قال أحمد : يكبر جهراً إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى ، وقال أبو حنيفة : لا يكبر مع الفطر لأن ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر فقال : أمجانين الناس ؟! ، ولنا أنه فعله ناس من الصحابة ، وأما ابن عباس فكان يقول : يكبرون مع الإمام ولا يكبرون وحدهم وهو خلاف مذهبه ، ولا بأس بخروج النساء إلى المصلى وقال ابن حامد : يستحب ، وكان ابن عمر يخرج من استطاع من أهله في العيدين ، قالت أم عطية : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها وحتى تخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرون بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته رواه البخاري ، ويخرجن تفلات ولا يخالطن الرجال . ووقتها من ارتفاع الشمس إلى أن يقوم قائم الظهيرة وقال أصحاب الشافعي : أول وقتها إذا طلعت الشمس لحديث ابن بسر وفيه إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين صلاة التسبيح رواه أبو داود . ولنا أنه وقت نهي عن الصلاة فيه ، ولأنه صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت بدليل الإجماع على أنه أفضل ولا يفعل إلا الأفضل ولو كان لها وقت قبل ذلك لكان تقييده بطلوع الشمس تحكماً ، ولعل عبد الله بن بسر أنكر إبطاء الإمام عن وقتها المجمع عليه .
ويسن تقديم الأضحى ليتسع وقت التضحية وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر ولا أعلم فيه خلافاً ، بلا أذان ولا إقامة لا نعلم فه خلافاً يعتد به ، وقال الشافعي : ينادى لها : " الصلاة جامعة " وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع ، ولا نعلم خلافاً أنه يقرأ الفاتحة وسورة في ركعة ، وأنه يسن الجهر ، ويستحب أن يقرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية نص عليه لحديث النعمان بن بشير رواه مسلم ، وقال الشافعي : بقاف واقتربت لحديث أبي وقاد رواه مسلم . ويكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمسة ، وقال الشافعي : يكبر في الأولي سبعاً سوى تكبيرة الافتتاح لحديث عائشة ، وقال الثوري : في الأولى والثانية ثلاثاً لحديث أبي موسى ، ولنا حديث كثير وعبد الله بن عمر وعائشة ، قال ابن عبد البر : روي عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة حسان أنه كبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً ولم يرو عنه من وجه قوي خلافه ، وتكون القراءة بعد التكبير في الركعتين نص عليه ، وقيل : يكبر في الثانية بعد القراءة لحديث أبي موسى كان رسول الله يكبر تكبيرة على الجنازة ويوالي بين القراءتين روه أبو داود قال الخطابي : ضعيف ، وليس في رواية أبي داود أنه والى بين القراءتين ثم يحمل على قراءة الفاتحة والسورة . ويرفع يديه في حال تكبيره ، وقال مالك : لا يرفعهما في ما عدا تكبيرة الإحرام ، ولنا أنه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبيرة قال أحمد : أما أنا أرى أن الحديث يدخل فيه هذا كله . ويستفتح في أولها ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين ، وعنه أن الاستفتاح بعد التكبير لئلا يفصل بينه وبين الاستعاذة ، وقال مالك : يكبر متوالياً لأنه لو كان بينهما ذكر مشروع لنقل ، ولنا ما نقل عن عبد الله وأبي موسى وحذيفة رواه الأثرم . والتكبيرات وما بينها سنة لا تبطل الصلاة بتركه لا أعلم فيه خلافاً فإن نسيه حتى شرع في القراءة لم يعد إليه ، وقال مالك يعود إليه . والخطبة بعد الصلاة لا نعلم فيه خلافاً إلا عن بني أمية ولا يعتد بخلافهم لأنه أكبر وعد بدعة . ويجلس عقيب صعوده المنبر ، وقيل : لا لأنها يوم الجمعة للأذان ولا أذان هنا .
والخطبتان سنة لا يجب حضورهما لقوله : " من أحب أن يذهب فليذهب " قال أبو داود : مرسل ، وعن الحسن وابن سيرين أنهما كرها الكلام يوم العيد والإمام يخطب ، وقال ابراهيم : يخطب بقدر رجوع النساء إلى بيوتهن . وهذا يدل على أنه لا يستحب لهن الجلوس ، وموعظته صلى الله عليه وسلم لهن تدل على جلوسهن ، والسنة أولى بالاتباع . وتكره الصلاة قبلها وبعدها في موضعها ، قال أحمد : أهل المدينة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها ، وأهل البصرة يتطوعون قبلها وبعدها ، وأهل الكوفة لا يتطوعون قبلها ويتطوعون بعدها . وقال الشافعي : يكره التطوع للإمام دون المأمون ، قال الأثرم : قلت لأحمد : قال سليمان بن حرب : إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التطوع لأنه كان إماماً ، قال أحمد : فالذين رووا عنه لم يتطوعوا ثم قال : ابن عمر وابن عباس روياه وعملاه به . وإذا غدا من طريق رجع من غيره لفعله صلى الله عليه وسلم .
ومن فاتته صلى أربعاًَ ، قال أحمد : يقوي ذلك حديث علي أنه أمر رجلاً يصلي بضعفة الناس أربعاً ولا يخطب ، وإن شاء كصلاة العيد لما روي عن أنس أنه إذا لم يشهدها مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما . وإذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم ، وعن أبي حنيفة لا يقضي ، وقال الشافعي : إن علم بعد غروب الشمس خرج فإن علم بعد الزوال لم يصل ، ولنا حديث أبي عمير أن ركباً جاءوا فشهدوا أنهم رأو الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم رواه أبو داود ، وقال الخطابي : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ، وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب . ويشترط الاستيطان لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها في سفر .
ومن هنا إلى آخر الباب من (الانصاف) :
هي فرض كفاية ، وعنه فرض عين اختاره الشيخ وقال : قد يقال بوجوبها على النساء ، وقال : يسن التزين للإمام الأعظم وإن خرج من المعتكف قال : ولا يستحب قضاؤها لمن فاتته ، واختار الشيخ افتتاح خطبة العيد بالحمد ، واختار أن التكبير في الأضحى آكد ونصره بأدلة كثيرة ، ولم ير التعريف لغير من بعرفة وأنه لا نزاع فيه بين العلماء وأنه منكر وفاعله ضال .