خالتي أصيبت بحادثة عندما كانت طفلة صغيرة ، وقد فقدت إحدى عينيها ، وقد قرر الأطباء أن لا تبكي هذه الطفلة ، ولا تجوع ؛ لأنه قد يؤثر على عينها ، فقام والدها بمنعها من الصيام عندما أصبح الصيام واجباً عليها حسب تقرير الطبيب ، وهي امرأة محافظة على دينها جدّاً ، فبعد زواجها رأت أن الصيام لا يؤثر عليها فكانت تصوم . السؤال : هي الآن تصوم في أغلب أيامها ؛ لكي لا يكون على أبيها عذاب ، فهي كانت تحب أباها جدّاً - رحمه الله - ، وهي تسأل فضيلتكم : هل على والديها شيء من الحرام ؟ وهل يجب عليها أن تصوم كل شهور الصيام التي فاتتها ؟
الحمد لله
المرض من الأعذار المبيحة للفطر ، قال تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 .
ويدور حكم الصيام للمريض بين الكراهة والتحريم ، فيُكره إذا شق عليه الصيام مع مرضه ، ويحرم إذا كان الصوم يضره .
وينظر تفصيل ذلك : في جوابي السؤالين : (50555) و (38532) .
ولا يفطر المريض إلا بشهادة طبيب ثقة من ذوي الاختصاص بالمرض نفسه ، وبعض العلماء يشترط أن يكون مسلماً .
ومن أفطر بناء على كلام الطبيب , فلا حرج عليه ، فإن كان مرضاً مزمناً – مستمراً - : فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ومن كان مرضه مؤقتاً : فيفطر ، ويقضي بعد شفائه .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"إذا قرَّر الأطباء المختصون أن مرضك هذا من الأمراض التي لا يُرجى برؤها : فالواجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم من أيام رمضان ، ولا صوم عليك ، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد ، من تمر ، أو أرز ، أو غيرهما ، وإذا غديتَه أو عشيتَه : كفى ذلك ، أما إن قرروا أنه يرجى برؤه : فلا يجب عليك إطعام ، وإنما يجب عليك قضاء الصيام إذا شفاك الله من المرض ، لقول الله سبحانه : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
وأسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء من كل سوء ، وأن يجعل ما أصابك طهوراً وتكفيراً من الذنوب ، وأن يمنحك الصبر الجميل ، والاحتساب ، إنه خير مسئول " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 15 / 221 ) .
والذي يظهر لنا من السؤال أن والد المريضة لا يأثم , لأنه إنما ألزمها بالفطر بناءً على كلام الأطباء .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
مرضتُ بمرض الكلى ، وأُجريت لي عمليتان ، ونصحني الأطباء أن أشرب الماء ليلاً ونهاراً ، وبما لا يقل عن لترين ونصف يوميّاً ، كما أخبروني أن الصيام والكف عن شرب الماء ثلاث ساعات متتالية يعرضني للخطر ، هل أعمل بكلامهم ، أو أتوكل على الله ، وأصوم مع أنهم يؤكدون بأن عندي استعداداً لتخلق الحصى ، أو ماذا أفعل ؟ وإذا لم أصم فما الكفارة التي عليَّ دفعها ؟ .
فأجابوا :
" إذا كان الأمر كما ذكرت ، وكان هؤلاء الأطباء حذَّاقا بالطب : فالمشروع لك أن تفطر ؛ محافظة على صحتك ؛ ودفعاً للضرر عن نفسك ، ثم إن عوفيت وقويت على القضاء دون حرج : وجب القضاء ، وإن استمر بك ما أصابك من المرض ، أو الاستعداد لتخلق الحصى عند عدم تتابع شرب الماء ، وقرر الأطباء أن ذلك لا يُرجى برؤه : وجب عليك أن تُطعم عن كل يوم أفطرته مسكيناً " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 10 / 179 ، 180 ) .
وإذا شعرت الأخت المريضة بقدرتها على الصيام دون أن يكون لذلك تأثير على عينها : فإنه لا حرج عليها بالصوم ، لكن ينبغي أن يكون ذلك باستشارة أطباء ثقات ؛ خشية أن تغتر بظاهر حالها ، ويكون لذلك الصوم تأثير على صحة عينها .
وأما قضاؤها الأيام التي أفطرتها فيما سبق , فالذي يظهر أنه لا يلزمها ذلك , ويكفيها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً , لأنها إنما أفطرت بناءً على قول الطبيب .
وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله عن شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله , وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها , فماذا يفعل بعد أن شفاه الله , هل يقضيها أم لا ؟
فأجاب :
" إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين ، الموثوقين ، العارفين بجنس هذا المرض ، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه : فليس عليه قضاء ، ويكفيه الإطعام ، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً " .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 15 / 355 ) .
والخلاصة :
ليس على والديها حرج فيما فعلاه من جعل ابنتهم تفطر ؛ بناءً على كلام الأطباء ، وعليها فدية إطعام مسكين مقابل كل يوم أفطرته بعد بلوغها ، وإذا حكم الأطباء الثقات المختصون أنها قادرة الآن على الصوم من غير مشقة ولا مضرة وجب عليها صوم رمضان , ولا عذر لها في الفطر , وإن أرادت التطوع بالصيام فلا حرج عليها .
والله أعلم