هي واجبة على الرجال المكلفين ، وقال مالك والشافعي : لا تجب لحديث "صلاة الجماعة تفضل " ألخ ، ولنا أنها لو لم تجب لأرخص فيها في حال الخوف ولم يجز الإخلال بالواجبات من أجلها . وليست شرطاً ، وقيل : شرط ، ولا نعلم من أوجب الإعادة على من صلى وحده ، إلا أنه روي عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود : من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له . وتنعقد باثنين بغير خلاف ، وله فعلها في بيته ، وعنه أن حضور المسجد واجب على القريب منه ، والأفضل المسجد الذي لا تقام فيه إلا بحضوره ، وكذا إن كان في قصد غيره كسر قلب إمامه أو جماعته ، ثم ما كان أكثر جماعة لحديث " ما كان أكثر جماعة فهو أحب إلى الله " رواه أحمد . والأبعد أفضل لقوله : " أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " رواه البخاري ، ولا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه إلا أن يتأخر لفعل أبي بكر ، فإن صلى وأقيمت وهو في المسجد استحب له إعادتها إلا المغرب ، وعنه يعيدها ويشفعها بركعة لحديث أبي ذر ويزيد ابن الأسود ، ولا تجب الإعادة وقيل : بلى مع إمام الحي الظاهر الأمر . ولا تكره الإعادة في غير المساجد الثلاثة ، وقال مالك والشافعي : لا تعاد في مسجد له إمام راتب في غير ممر الناس لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب والتهاون بها مع الإمام ، فأما الثلاثة فروي عن أحمد الكراهة لئلا يتوان الناس عن الراتب . وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ، وقال مالك : إن لم يخف فوات الركعة ركع ، فإن أقيمت وهو في نافلة أتمها خفيفة .
ومن أدرك الركوع أدرك الركعة لحديث أبي داود وأجزأته تكبيرة واحدة لأنه روي عن يزيد وابن عمر ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وقال أحمد : إن كبر اثنتين ليس فيه خلاف . ويستحب لمن أدرك الإمام في حالٍ متابعته وإن لم يعتد به لحديث أبي هريرة ، وما أدرك فهو آخر صلاته ، وعنه أولها . قال شيخنا : لا أعلم خلافاً بين الأربعة في أنه يقرأ الفاتحة وسورة وهذا مما يقوي الأول ، فإن لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهده روايتان : إحداهما يستفتح ويأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد ، والثانية يقرأ الحمد وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيأتي بأخرى يقرأ الحمد وحدها وبه قال ابن مسعود . ولا تجب القراءة على المأموم في قول الأكثر ، وأوجبها الشافعي لقول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك ولحديث عبادة عند أبي داود " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب " ولنا قوله : " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " وقول أبي هريرة من رأيه ، وخالفه غيره من الصحابة ، وحديث عبادة لم يروه غير ابن اسحق ونافع بن محمود وهو أدنى حالاً منه . ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده روى عن ابن عمر وغيره .
ومن ركع أو سجد قبل إمامه رجع فأتي به بعده فإن لم يفعل عمداً بطلت ، فإن ركع قبله عمداً فهل تبطل ؟ على وجهين . وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل للحديث ، وهل تبطل الركعة ؟ فيه روايتان . فإن تخلف لعذر من نعاس أو غفلة أو زحام أو عجلة إمام فعل ما سبق به وأدرك إمامه ولا شيء عليه قال شيخنا : لا أعلم فيه خلافاً . وإن كان بركعة كاملة أو أكثر تبع إمامه وقضى ما سبق به ، وعنه يعيد . وإن سبقه بأكثر من ركن وأقل من ركعة لم يعتد بتلك الركعة قاله أحمد ، وقال الشافعي : يفعل ما فاته وإن كان أكثر من ركن لأنه صلى الله عليه وسلم فعله بعسفان في صلاة الخوف سجد الصف الأول والثاني قيام .
ويستحب للإمام تخفيف الصلاة مع إتمامها لفعله صلى الله عليه وسلم ، وتطويل الأولى أكثر من الثانية لحديث أبي قتادة متفق عليه . ويستحب انتظار الداخل إذا لم يشق على من خلفه ، وكرهه الأوزاعي لأنه تشريك في العبادة ، ولنا أنه صلى الله عليه وسلم يطيل الأولى حتى لا يسمع وقع قدم وأطال السجود لما ركب الحسن على ظهره لئلا يعجله . وإذا استأذنت المرأة في المسجد كره منعها وبيتها خير لها للحديث .
والسنة أن يؤم القوم أقرأهم وقال الشافعي : يقدم الأفقه إن كان يقرأ ما يكفي ، ولنا قوله : "وإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة " وإن أقيمت الجماعة في بيت فصاحبه أحق إذا كان ممن تصلح إمامته ، فإن كان فيه ذو سلطان قدم لأن ولايته على البيت وصحابه وكذلك إمام المسجد الراتب أولى من غيره وإذا قدم المستحق غيره جاز لقوله : "إلا بإذنه" وهل تصح إمامة الفاسق والأقلف ؟ على روايتين . وإذا أقيمت وهو في المسجد والإمام لا يصلح فإن شاء صلى خلفه وأعاد وإن نوى الانفراد ووافقه في أفعالها صح ، وعنه : يعيد . وفي إمامه أقطع اليدين روايتان . وأما أقطع الرجلين فلا تصح لعجزه عن القيام . وإذا صلى خلف من يشك في إسلامه صح . ولا تصح إمامة العاجز عن شيء من أركان الأفعال بالقادر عليه ـ وأجازه الشافعي ـ إلا إمام الحي المرجو زوال علته إذا عجز عن القيام ، فإن صلوا خلفه قياماً صحت ، وقيل : لا تصح أومأ إليه أحمد . فإن استخلف بعض الأئمة ثم حضر فهل يفعل كفعله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ؟ فيه ثلاث روايت : إحداهن ليس له لأنه خاص بالنبي ، والثانية يجوز لأن ما فعله صلى الله عليه وسلم جائز لأمته ما لم يقم دليل على الخصوصية ، والثالثة يجوز للخليفة خاصة . ولا تصح إمامة صبي لبالغ في فرض . وعنه تصح لقوله : " يؤم القوم أقرأهم " ألخ وحديث عمرو بن سلمة رواه البخاري وهو ابن سبع أو ثمان سنين ، فإن صلى الإمام محدثاًجاهلاً هو والمأمومين ختى سلموا صحت صلاتهم دون الإمام يوى عن عمر وعثمان ، فإن علمه في الصلاة استأنفوا الصلاة . وقال الشافعي : يبنون على ما مضى . ولا تصح إمامة الأمي ـ وهو من لا يحسن الفاتحة إو يحيل المعنى ـ إلا بمثله ، وأجازه الشافعي . ويكره أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون لحديث أبي أمامة وابن عمر رواه أبو داود ، قال أحمد : إذا كرهه اثنان أوثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثرهم ، قال منصور : أما إنا سألنا عن ذلك فقيل : عني به الظلمة ، فأما من أقام السنة فالإثم على من كرهه .
ويصح اثتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها نص عليه وكذا عكسه ، ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر في إحدى الروايتين . والسنة أن يقف المأمومون خلف الإمام لأن أصحابه صلى الله عليه وسلم يقفون خلفه وأخر جابراً وجباراً لما وقفا عن يمينه وشماله وحديث ابن مسعود يدل على جواز ذلك فإن كان أحدهما صبياً فكذلك إن كانت تطوعاً ويحتمل أن يصح في الفرض وإن كان واحداً وقف عن يمينه فإن وقفوا قدامه لم يصح وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ، وقال مالك وإسحق : يصح ، ولنا قوله : "إنما جعل الإمام ليؤتم به " ، ومن صلى وحده خلف الإمام ركعة كاملة لم تصح صلاته لأمره من فعله بالإعادة قال ابن المنذر : ثبت الحديث . وإن أم امرأة وقفت خلفه لحديث أنس رواه مسلم .
والسنة أن يتقدم في الصف الأول أولو الفضل والدين ويلي الإمام أكملهم لحديث ابن مسعود وغيره ، والصف الأول للرجال والنساء بالعكس للحديث رواه أبو داود . وميامن الصفوف أفضل لحديث عائشة . ويستحب توسط الصف للإمام للحديث رواه أبو داود .
وإذا رأى المأمومون من وراء الإمام صحت صلاتهم إذا اتصلت الصفوف وإن لم يروهم لم تصح ، وعنه تصح إذا كانوا في المسجد ، وإن كان بينهما حائل يمنع رؤية الإمام ومن وراءه ففيه روايتان . وإن كان بينهما طريق أو نهر فروايتان . ولا يكون الإمام أعلى من المأموم ولو أرد تعليمهم ، وقال الشافعي : له ذلك إن أرد تعليمهم لحديث سهل . ولنا أن عماراً صلى ـ بالمدائن فقام على دكان والناس أسفل منه فأخذ حذيفة بيده فاتبعه عمار حتى أنزله فلما فرغ قال : ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمّ رجل قوماً فلا يقومن في مقام أرفع من مقامهم " ؟ قال عمار : لذلك اتبعتك حين أخذت بيدي رواه أبو دواد وحديث سهل الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم على الدرجة السفلى فيكون ارتفاعاً يسيراً لا بأس به جمعاً بين الأخبار . ويكره للإمام أن يدخل في الطاق كرهه ابن مسعود وغيره ولأنه ستر عن بعض المأمومين وفعله سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي ، ولا يكره لحاجة كضيق المسجد ، ويكره للإمام أن يتطوع في موضع المكتوبة قال أحمد : كذا قال علي ، ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت الصفوف كرهه ابن مسعود ، وأرخص فيه مالك وغيره ، وعند ابن ماجه حديث في النهي عنه . ويكره للإمام إطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة لأنهم لا ينصرفون قبله فإذا أطال ذلك شق عليهم ، فإن كان معه نساء لبث قليلاً لينصرف ، ولا يجلسن بعد الصلاة لئلا يختلطن بالرجال . وينصرف الإمام حيث شاء لقول ابن مسعود رواه مسلم .
واختلفت الرواية هل يستحب للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة ، وكرهه مالك وغيره ، وأذن صلى الله عليه وسلم لأم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود . وتقوم وسطهن لا نعلم فيه خلافاً. قال ابن المنذر : لا أعلم خلافاً أن للمريض ترك الجماعة . ويعذر من يدافع أحد الأخبثين أو بحضرة طعام محتاج إليه لحديث عائشةسواء خاف فوات الجماعة أو لا ، والخائف من ضياع ماله ، أو خاف ضرراً من سلطان ، أو ملازمة غريم ولا شيء معه لأن في أمره بالصلاة في الرحال لأجل الطين والمطر تنبيهاً على الجواز ، وكذا إن خاف موت قريبه ولا يشهده ، فهذا كله عذر في ترك الجمعة والجماعة ولا نعلم فيه خلافاً لفعل ابن عمر لما مات سعيد بن زيد وكذا خوف فوات رفقته أو غلبة النعاس أو تأذى بالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة لأن الذي انفرد عن معاذ لما طول لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا إلى آخر الباب من (الانصاف)
وعنه أن الجماعة شرط لصحة الصلاة اختاره الشيخ ، ولو صلى منفرداً لعذر لم ينقص أجره ،وقال : خبر التفضيل في المعذور الذي يباح له الصلاة وحده ، واختار أنه لا يدرك الجماعة إلا بركعة ، وأن المأموم يقرأ إذا لم يسمع قراءة الإمام لبعده ، واختار كراهة الاستفتاح والاستعاذة للمأموم ، وقال : يلزم الإمام مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه وقال : ليس له أن يزيد على اقدر المشروع ، ويفعل غالباً ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً ويزيد وينقص للمصلحة كفعله صلى الله عليه وسلم ، واختار صحة إمامة عاجز عن ركن أو شرط ، وقال : الروايات عن أحمد في ترك الإمام ما يجوز عنده دون المأموم لا توجب اختلافاً وإنما ظواهرها أن كل موضع يقطع فيه بخطأ الإمام يوجب الإعادة وإلا فلا وهو الذي تدل عليه السنة والآثار والقياس ، وقال : لا بأس بقراءة اللحان عجزاً ، وقال : الذي يؤم قوماً أكثرهم له كارهون أتى بواجب ومحرم مقاوم صلاته فلم تقبل إذا الصلاة المقبولة ما يثاب عليها صاحبها . وقال : إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب لم ينبغ أن يؤمهم لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف .
واختار صحة ائتمام المفترض بالمتنقل وصحة ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرها . واختار صحة وقوف المأموم قدام الإمام في الجمعة والعيد والجنازة ونحوها لعذر . وقال : تصح الفذ لعذر وحيث صحت الصلاة عن يسار الإمام وكرهت إلا لعذر . والمأموم إذا كان بينه وبين الإمام ما يمنع الرؤية والاستطراق صحت صلاته إذا كان لعذر وهو قول في مذهب أحمد بل نص أحمد وغيره .