التطوع قسمان : تطوع في ليل فلا يجوز إلا مثنى هذا قول أكثر أهل العلم ، وقال أبو حنيفة : إن شئت ركعتين وإن شئت أربعاً (وإن شئت ستاً) . ولنا حديث عائشة متفق عليه . وتطوع النهار الأفضل فيه مثنى مثنى لحديث علي البارقي "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " رواه أبو داود . ولأنه أشبه بتطوعاته صلى الله عليه وسلم . وذهب مالك والشافعي إلى أن الليل والنهار مثنى مثنى والصحيح أنه إن تطوع في النهار أربعاً فلا بأس فعله ابن عمر ، وكان إسحق يقول صلاة النهار أربعاً وإن صلى ركعتين جاز ، ومفهوم الحديث المتفق عليه يدل على جواز الأربع لا تفضيلها ، وأما حديث البارقي فتفرد بزيادة النهار ، ورواه عن ابن عمر نحو من خمس عشرة نفساً لم يقله أحد سواه ، وكان ابن عمر يصلي أربعاً .
والتطوع قسمان :
أحدهما ما تسن له الجماعة كالكسوف والتراويح .
والثاني ما يفعل على الانفراد وهي قسمان : سنة معينة ونافلة مطلقة . فأما المعينة فأنواع منها الرواتب وهي عشر ، وقال الشافعي : قبل الظهر أربع لحديث عائشة رواه مسلم . وآكدها ركعتا الفجر لما ورد ، ويستحب تخفيفهما لحديث عائشة ويقرأ فيهما (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) لحديث أبي هريرة ، وحديث ابن عباس في آيتي البقرة وآل عمران رواه مسلم . ويستحب الاضطجاع بعدها على جنبه الأيمن ، وعنه ليس بسنة لأن ابن مسعود أنكره ، ولنا حديث عائشة ،ويقرأ في الركعتين بعد المغرب بسورتي الإخلاص لحديث ابن مسعود رواه الترمذي . ويستحب فعل السنن في البيت قال احمد : ليس ههنا آكد من الركعتين بعد المغرب ، وذكر حديث ابن اسحق "صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم " وقال : لم يبلغنا انه صلى الله عليه وسلم قضى شيئاً من التطوع إلا ركعتي الفجر والركعتين بعد العصر ، قال ابن حامد وقسنا الباقي عليه ، وأما الركعتان بعد آذان المغرب فظاهر كلام أحمد أنهما جائزتان وليستا سنة وقال : فيهما أحاديث جياد وأما الركعتان بعد الوتر فقال : أرجو إن فعله إنسان أن لا يضيق عليه ولكن وهو جالس ، قيل له ـ تفعله أنت. قال : لا . والصحيح أنهما ليستا بسنة لأن أكثر من وصف تهجده صلى الله عليه وسلم لم يذكرهما وأكثر الصحابة ومن بعدهم على تركهما .
وصلاة الضحى مستحبة لحديث أبي هريرة وأبي الدرداء رواهما مسلم ، وأقلهما ركعتان للخبر ، و (أفضل) وقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقوله : "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" رواه مسلم . ويسن لمن دخل المسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين . فأما النوافل المطلقة فتشرع إلا في أوقات النهي . وتطوع الليل أفضل قال أحمد : ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل ،وعن أبي هريرة رفعه "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم . وأفضل التهجد جوف الليل الآخر لحديث عائشة وابن عباس قال أحمد : إذا أغفى يعني بعد التهجد فإنه لا يبين عليه أثر السهر ،و إذا لم يغف يبين عليه ، ويستحب أن يتسوك يعني إذا قام من الليل لحديث حذيفة وأن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين لحديث أبي هريرة ، ويستحب أن يقرأ جزءاً من القرآن في تهجده لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله ، وهو مخير بين الجهر والإسرار لحديث عائشة . ومن كان له تهجد ففاته استحب له قضاؤه بين صلاة الفجر والظهر للحديث .
ويجوز التطوع جماعة وفرادى لأنه صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين . ولا نعلم خلافاً في إباحة التطوع جالساً وأن القيام أفضل ، وهو مخير في الركوع والسجود إن شاء من قيام وإن شاء من قعود لأنه صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين ، قال أحمد : العمل على كلا الحديثين .
والوتر ركعة نص عليه وهو مذهب مالك والشافعي ، وقال هؤلاء يصلي : ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بركعة ، قال أحمد : أنا أذهب في الوتر إلى ركعة ، ومن أوتر بثلاث أو أكثر فلا بأس .
والقنوت مسنون في جميع السنة ، وعنه في النصف الأخير من رمضان وبه قال مالك والشافعي ، وعنه لا يقنت في صلاة بحال ، ويقنت بعد الركوع نصل عليه وبه قال الشافعي ، وعنه أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع ،و إن قنت قبله فلا بأس . وقال مالك : قبل الركوع . ولنا حديث أبي هريرة وأنس وغير واحد ، وحديث ابن مسعود يرويه أبان بن أبي عياش وهو متروك ، وحديث أبي قد تكلم فيه وقيل ذكر القنوت فيه غير صحيح . ويستحب أن يقول في قنوت الوتر ما روى الحسن بن علي ، وعن عمر أنه قنت بسورتي أبي قال ابن قتيبة : (نحفد) بنادر و (الجد) أي الحق لا اللعب و "ملحق" بكسر الحاء لا حق هكذا يروى يقال لحقت القوم وألحقتهم بمعنى واحد ، ومن فتح الحاء أراد أن الله ملحقهم إياه ، وهو معنى صحيح غير أن الرواية هي الأولى . ويؤمن من خلف الإمام من نعلم فيه خلافاً قاله إسحق ، وقال الأثرم : كان أحمد يرفع يديه في القنوت إلى صدره ، واحتج بأن ان مسعود رفع يديه إلى صدره في القنوت ، وأنكره مالك . وهل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ؟ فيه روايتان : إحداهما : لا ، قال أحمد : ما سمعت فيه بشيء . ولا يسن القنوت في الصبح ولا غيرها سوى الوتر ، وعن مالك والشافعي يقنت في الصبح ،ولنا حديث أنس وأبي هريرة ، قال إبراهيم : أول من قنت علي في صلاة الغداة وذلك أنه كان محارباً يدعو على أعدائه ،وقنوت عمر يحتمل أنه في النوازل فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت ، قال أحمد : إذا نزل بالمسلمين قنت الإمام في الفجر وأمن من خلفه ، قال أحمد : مثل ما نزل بالمسلمين من هذا الكافر ، يعني بابك . قال عبد الله عن أبيه : كل شيء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت فإنما هو الفجر ، ولا يقنت إلا في الفجر إذا كان مستنصراً يدعو للمسلمين ، وقال أبو الخطاب : يقنت في الفجر والمغرب . والذي اختار احمد أن تفصل ركعة الوتر مما قبلها وقال إن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن لم يضيق عليه ، وحجة من لم يفصل قول عائشة انه كان يوتر بأربع وثلاث ، وست وثلاث ، وثمان وثلاث . وقولها : كان يصلي أربعاً فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً كذلك ثم يصلي ثلاثاً . وقالت : كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن رواه مسلم . ولنا قولها : كان يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة . وقوله : "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة" وقال : "الوتر ركعة من آخر الليل" رواه مسلم . وحديثها الذي ذكروه ليس فيه تصريح بأنها بتسليم واحد وأما إذا أوتر بخمس فيأتي . وقال أحمد فيمن يوتر فيسلم من الثنتين فيكرهونه أهل المسجد : فو صال إلى ما يريدون . يعني لا تضر موافقتهم . ويجوز أن يوتر بإحدى عشرة وبتسع وبسبع وبخمس وبثلاث وبواحدة ، فإن أوتر باحدى عشرة سلم من ركعتين ،و إن أوتر بثلاث سمل من الثنتين وأوتر بواحدة ، وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن ، وإن أوتر بسبع جلس عقيب لاسادسة فتشهد ولم يسلم ثم يجلس بعد السابعة فيتشهد ويسلم ، وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا عقيب الثامنة فيتشهد (ثم يقوم ويأتي بالتاسعة) ويسلم ونحوه قال إسحق ، ثم ذكر حديث زيد بن ثابت في الخمس وكذلك حديث عائشة ، وأما التسع والسبع فذكر فيهن حديث سعيد بن هشام عن عائشة ، وقال القاضي في السبع : لا يجلس إلا في آخرهن كالخمس ، ولعله يحتج بحديث ابن عباس صلى سبعاً أو خمساً لم يجلس إلا في آخرهن ، وعن أم سلمة نحوه رواه ابن ماجه وكلا الحديثين فيه شك في السبع وليس في واحد منهما أنه لا يجلس عقيب السادسة .
والوتر غير واجب وبه قال مالك والشافعي ، وأوجبه أبو حنيفة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به ولحديث بريدة مرفوعاً " من لم يوتر فليس منا" رواه أحمد ، ولنا حديث عبادة وفيه : كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "خمس صلوات كتبهن الله " ألخ وحديث ضمام ، وأحاديثهم قد تكلم فيها . ثم المراد بها تأكيد فضيلته ، والأفضل فعله آخر الليل ، ومن كان له تهجد جعله بعده لفعله صلى الله عليه وسلم ، فإن خاف ألا يقوم من آخر الليل استحب له أن يوتر أوله لأنه صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة وغيره بالوتر قبل النوم وقال : " من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر من أوله " وكلها صحاح ، وأي وقت أوتر من الليل بعد العشاء أجزأ لا نعلم فيه خلافاً . (فأما) من أوتر ثم قام للتهجد فالأفضل أن يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره وبه قال مالك ، قيل لأحمد : لا ترى نقض الوتر ؟ قال : لا ، ثم قال : وإن ذهب إليه رجل فأرجو لأنه قد فعله جماعة ، وهو قول اسحق ، ولعلهم ذهبوا إلى قوله : "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" ولنا حديث طلق بن علي رفعه " لا وتران في ليلية " حسنة الترمذي . فإن صلى مع الإمام وأحب متابعته لم يسلم وقام فصلى ركعة شفع بها صلاته نص عليه وقال : إن شاء قام على وتره وشفع إذا قام وإن شاء صلى مثنى . قال : ويشفع مع الإمام بركعة أحب إلى . ويستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث في الأولى بسبح وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد ، وقال الشافعي : يقرأ في الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين لحديث عائشة لا يثبت ، وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين قال أحمد : الأحاديث التي جاءت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة كان قبلها صلاة متقدمة ، قيل له أيوتر في السفر بواحدة ؟ قال : يصلي قبلها ركعتين .
قيل لأحمد : رجل قام يتطوع ثم بدا له فجعل تلك الركعة وتراً ، قال : لا وكيف يكون هذا قد قلب نيته . قيل له : أيبتديء الوتر ؟ قال : نعم . انتهى من الشرح . وقال : إذا قنت قبل الركوع كبر ثم أخذ في القنوت . وقد روى عن عمر أنه إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر حين يركع روى ذلك عن علي وابن مسعود ولا نعلم فيه مخالفاً . ويستحب أن يقول بعد وتره " سبحان الملك القدوس " ثلاثاً ، ويمد صوته في الثالثة لحديث أبي بن كعب وابن أبزا .
وصلاة التراويح سنة مؤكدة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنسب إلى عمر لأنه جمع الناس على أبي بن كعب . والمختار عند أحمد عشرون ركعة وبه قال الشافعي ، وقال مالك : ستة وثلاثون ، ولنا أن عمر لما جمع الناس على أبي كان يصلي بهم عشرين ركعة . وأما ما وراه صالح فإن صالحاً ضعيف ثم ما ندري من الناس الذين روى عنهم ، وما كان عليه الصحابة أولى ، والمختار عند أحمد فعلها في الجماعة وقال : إن كان رجل يقتدي به فصلاها في بيته خفت أن يقتدي به وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"اقتدوا بالخلفاء" وقال مالك والشافعي : هي لمن قوى في البيت أحب إلينا لحديث زيد بن ثابت : احتجز رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة فجاء رجال يصلون بصلاته وفيه : فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " رواه مسلم . ولنا إجماع الصحابة ، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله وقال في حديث أبي ذر : "إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة " وهذا خاص في قيام رمضان فيقدم على عموم ما احتجوا به . وقال أحمد : يقرأ بالقوم في رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم ، وقال : يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه لقوله "إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلته" وقيل له : تؤخر القيام في التراويح إلى آخر الليل " قال : لا ، سنة المسلمين أحب إلى وكره أحمد التطوع بين التراويح وقال فيه عن ثلاثة من الصحابة ، قيل فيه رخصة عن بعض الصحابة ؟ قال : هذا باطل إنما فيه عن الحسن وسعيد بن جبير وعن أبي الدراداء أنه بصر من يصلي بين التراويح فقال : أتصلي وإمامك بين يديك ؟ ليس منا من رغب عنا . وقال : من قلة فقه الرجل أن يرى أنه في المسجد وليس في صلاة وأما التعقيب وهو أن يصلي بعد التروايح نافلة أخرى في جماعة أو التراويح في جماعة أخرى فعنه لا بأس لأن أنساً قال : ما يرجعون إلا لخير يرجونه أو لشر يحذرونه ، وسئل أحمد عن ختم القرآن في الوتر أو التراويح فقال : في التروايح حتى يكون لنا دعاءان ، وقال حنبل سمعته يقول إذا فرغت من قراءة :قل أعوذ برب الناس" فأرفع يديك في الدعاء قبل الركوع ، فقلت إلى إي شيء تذهب ؟ قال : رأيت أهل مكة يفعلونه وابن عيينة يفعله معهم ، قال العباس بن عبد العظيم : وكذلك أدركت الناس بمكة والبصرة ، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء وذكر عن عثمان بن عفان . وسئل أحمد : إذا قرأ سورة الناس هل يقرأ من البقرة شيئاً ؟ قال لا ، وقال : كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ، واستحسن أحمد التكبير عند آخر كل سورة من الضحى . وسئل عن الإمام في رمضان يدع الآيات من السورة : ينبغي لمن خلفه أن يقرأها ؟ قال : نعم ينبغي له أن يفعل ، قد كانوا بمكة يوكلون رجلاً يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها فإذا كان ليلة الختمة أعاده وإنما استحب ذلك لتتم الختمة .
ولا بأس بالقراءة في الطريق والإنسان مضطجع ، وعن إبراهيم التيمي قال : كنت أقرأ على موسى وهو يمشي في الطريق فإذا قرأت سجدة قلت له أسجد في الطريق ؟ قال : نعم . ويستحب أن يختم في كل سبعة أيام لحديث عبد الله بن عمرو وحديث أوس بن حذيفة رواه أبو داود . وعنه أنه غير مقدر على حسب النشاط والقوة لأن عثمان كان يختمه في ليلة . والترتيل أفضل لقوله : (ورتل القرآن ترتيلا) . وكره أحمد القراءة بالألحان وقال : هي بدعة وكلامه يحمل على الإفراط وجعل الحركات حروفاً فأما ما يحسن القراءة والترجيع فغير ما رواه لحديث ابن المغفل وغيره في قراءة سورة الفتح .
ويجوز قضاء الفرائض في أوقات النهي روى ذلك عن غير واحد من الصحابة وبه قال مالك والشافعي ، وقال أصحاب الرأي : لا تقضي في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة ابن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي . ولأنه صلى الله عليه وسلم لما نام عن الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت ، ولنا قوله : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " وفي حديث أبي قتادة "فليصلها حين ينتبه " متفق عليهما وخبر النهي مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين وبعصر يومه وحديث أبي قتادة يدل على جواز التأخير لا على تحريم الفعل ، ويركع للطواف وهذا مذهب الشافعي ، وأنكره مالك لعموم النهي ، ولنا حديث جبير بن مطعم " يا بني عبد مناف" الحديث صححه الترمذي وحديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه .
وأما صلاة الجنازة بعد الصبح والعصر فلا خلاف فيه قاله ابن المنذر ، وأما في الأوقات الثلاثة فلا يجوز قال أحمد : لا يعجبني ثم ذكر حديث عقبة ابن عامر قال الخطابي : هذا قول أكثر أهل العلم ، وعنه تجوز في جميع أوقات النهي وهو مذهب الشافعي ، ولنا حديث عقبة بن عامر وذكره للصلاة مقروناً بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة . ومن صلى فرضه ثم أدرك تلك الصلاة في جماعة استحب له إعادتها أي صلاة كانت بشرط أن تقام وهو في المسجد أو يدخل وهم يصلون وهذا قول الشافعي ، فإن أقيمت وهو خارج المسجد لم يستحب له الدخول ، واشترط القاضي أن يكون مع إمام الحي وكلام أحمد يدل على أن إمام الحي وغيره سواء قال الأثرم : سألته عمن صلى في جماعة ثم دخل المسجد وهم يصلون يصلي معهم ؟ قال : نعم . وذكر حديث أبي هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم إنما هي نافلة فلا يدخل فإن دخل صلى وإن كان قد صلى في جماعة ، قيل له والمغرب ؟ قال نعم إلا أنه في المغرب يشفع ، وقال مالك إن صلى وحده أعاد المغرب وإن صلى جماعة لم يعدها لأن الحديث صلينا في رجالنا ، وقال أبو حنيفة : لا تعاد الفجر والعصر لأجل وقت النهي ولا المغرب لأن التطوع لا يكون بوتر ، ولنا حديث يزيد بن الأسود وحديث أبي ذر صل معهم فإنها لك نافلة ، وهذا الأحاديث بعمومها تدل على محل النزاع وحديث يزيد صريح في إعادة الفجر والأحاديث بإطلاقها تدل على الإعادة مع إمام الحي أو غيره أو صلى وحده في أو في جماعة . وإذا أعاد المغرب شفعها برابعة وهذا مذهب الشافعي وعن حذيفة أنه قال لما أعاد المغرب : ذهبت أقوم في الثالثة فأجلسني وهذا يحتمل أنه أمره بالاقتصار على ركعتين أو أمره بمثل صلاة الإمام . ولا تجب الإعادة ، وقيل تجب مع إمام الحي لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها ، ولنا أنها نافلة وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تصلي في صلاة في يوم مرتين " رواه أبو داود ومعناه واجبتان . وإن لم يدرك إلا ركعتين فقيل : يسلم معهم لأنها نافلة ويستحب أن يتمها ونص أحمد أنه يتمها أربعاً لقوله : " وما فاتكم فأتموا" .
والأوقات الخمسة منهي عن الصلاة فيها وهو قول الشافعي ، وقال ابن المنذر : المنهي عنه في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة ، وقول عائشة : وهم عمر إنما نهى أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها ، ولنا الأحاديث الصحيحة الصريحة والتخصيص في بعض لا يعارض العموم الموافق له بل يدل على تأكيد الحكم فيما خصه وقول عائشة غير مقبول لأن عمر مثبت وقد رواه عمرو بن عبسة وأبو هريرة وابن عمر وغيرهم ، والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بالصلاة لا نعلم فيه خلافاً وأما بعد الفجر فيتعلق بطلوع الفجر وبه قال ابن المسيب وأصحاب الرأي قال النخعي : كانوا يكرهون ذلك يعني التطوع بعد طلوع الفجر ، وعنه النهي متعلق بفعل الصلاة روى عن الحسن والشافعي ، ولا أعلم خلافاً في المذهب أنه لا يجوز أن يبتديء صلاة التطوع في هذه الأوقات غير ذات سبب وهو قول الشافعي ، وقال ابن المنذر : رخصت طائفة في الصلاة بعد العصر ، وحكي عن أحمد لا نفعله ولا نعيب فاعله لقول عائشة ما ترك ركعتين بعد العصر عندي قط ، ولنا الأحاديث الصحيحة الصريحة وحديث عائشة روى عنها أنه خاص به صلى الله عليه وسلم .
وأما التطوع لسبب فالمنصوص عن أحمد أن الوتر يفعل قبل صلاة الفجر وبه قال مالك والشافعي وأنكره عطاء والنخعي واحتجوا بعموم النهي ، ولنا حديث أبي بصرة مرفوعاً "إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح" احتج به أحمد وأحاديث النهي الصحيحة ليست صريحة في النهي بعد الفجر ، وأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز إلا أن أحمد اختار أن يقضيها من الضحى وقال : إن صلاها بعد الفجر أجزأه ، وقال الشافعي : يقضيهما بعدها لحديث قيس بن فهد وسكوته صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز ، وقال أصحاب الرأي : لا يجوز لعموم النهي . وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر فالصحيح جوازه لفعله صلى الله عليه وسلم ومنعه أصحاب الرأي ، وأما قضاء السنن في سائر أوقات النهي وفعل ما له سبب كتحية المسجد وسجود التلاوة ففيه روايتان : إحداهما لا يجوز لعموم النهي والثانية : تجوز لأن قوله في تحية المسجد والكسوف خاص في هذه الصلاة فيقدم على النهي العام . ولا فرق بين مكة وغيرها . وقال الشافعي : لا يمنع ، ولنا عموم النهي وحديث جبير أراد به الطواف ، ولافرق في وقت الزوال بين يوم الجمعة وغيره ورخص فيه الحسن وطاوس والشافعي لحديث أبي سعيد نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ، ولنا عموم النهي وذكر لأحمد الرخصة في نصف النهار يوم الجمعة فقال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه حديث عمرو بن عبسة ،وحديث عقبة بن عامر ، وحديث الصنابحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الشمس تطلع معها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها وإذا دنت للفروب قارنها فإذا غربت فارقها" ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات وحديثهم ضعيف .
ومن هنا إلى آخر الباب من (الانصاف) :
وقال الشيخ لما ذكر تفضيل أحمد للجهاد والشافعي للصلاة ومالك للذكر : والتحقيق لا بد لكل من الآخرين ، وقد يكون كل واحد أفضل في حال ، وإن الطواف أفضل من الصلاة في المسجد الحرام وذكره عن جمهور العلماء ، وعن ابن عباس الطواف لأهل العراق والصلاة لأهل مكة وذكره أحمد عن عطاء والحسن ومجاهد ، وليس الوتر بواجب واختار الشيخ وجوبه على من يتهجد بالليل ، وأدنى الكمال ثلاث بتسليمين . وخير الشيخ بين الفصل والوصل . وفي دعاء القنوت بين فعله وتركه ، وأنه إن صلى بهم قام رمضان فقنت جميع الشهر أو نصفه أو لم يقنت فقد أحسن . قوله إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة فلإمام خاصة القنوت ، وعنه : ونائبه ، وعنه ويقنت إمام جماعة وعنه : وكل مصل اختاره الشيخ . وقوله في صلاة الفجر ، وعنه : في الفجر والمغرب فقط . وعنه يقنت في جميع المكتوبات خلا الجمعة اختاره الشيخ . قوله ركعتان قبل الظهر وعند الشيخ أربع قبلها ويقضي الوتر ، وعنه لا يقضي اختاره الشيخ .
والتراويح عشرون ركعة قال أحمد : روي في ذلك ألوان ولم يقض فيه بشيء قال الشيخ : كل ذلك أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة حسن كما نص عليه أحمد لعدم التوقيت فيكون تقليل الركعات وتكثيرها بحسب طول القيام وقصره ، وقال : من صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة . وقال لا يجوز التطوع مضجعها لغير عذر ، وتجويزه قول شاذ لا أعرف له أصلاً في السلف . وكثرة الركوع والسجود ، وأفضل ،و عنه طول القيام أفضل ، وعنه : التساوي اختاره الشيخ . وقال : التحقيق أن ذكر القيام وهو القرآن أفضل من ذكر الركوع والسجود ، وأما نفس الركوع والسجود فأفضل من نفس القيام فاعتدلا ، ولهذا كانت صلاته عليه الصلاة والسلام معتدله إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود بحسب ذلك حتى يتقاربا ، ولا يداوم على صلاة الضحى ، واختار الشيخ المداومة عليها لمن لم يقم الليل ، وله قاعدة في ذلك وهي ما ليس براتب لا يداوم عليه كالراتب ، واختار أن سجود التلاوة وسجود الشكر خارج الصلاة لا يفتقر إلى وضوء وبالوضوء أفضل ، وسجود التلاوة سنة ، وعنه واجب في الصلاة ، وعنه واجب مطلقاً اختاره الشيخ . ولا يقوم ركوع ولا سجود عن سجدة التلاوة في الصلاة ، وعنه تقوم سجدة الصلاة عنه ، والأفضل أن يكون سجوده عن قيام واختاره الشيخ ، وعنه يسجد وهو قاعد . قوله وعند قيامها حتى تزول ، وظاهر كلام الخرقي أنه ليس بوقت نهي ، واختاره الشيخ في يوم الجمعة خاص ، واختار فعل ركعتي الطواف وإعادة الجماعة في الأوقات كلها وصلاة الجنازة وذوات الأسباب كلها كالصلاة بعد الوضوء وصلاة الاستخاره فيما يفوت.