قال تعالى في كتابه الحكيم : { يا أيها الذين آمنوا قـوا انفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ..... الآية} ـ التحريم ـ6ـ فالوالدان مسؤولان أمام الله عز وجل عن تربية أولادهما على الإسلام ، وللتربية الإسلامية أصول ينبغي على الوالدين المسلمين الانتباه إليها، وعلى الباحثين والكتاب ومؤسسات النشر والدعوة إيصال هذه الأصول إلى كل أب وأم مسلمين .
ومن الملاحظ أن التربية الإسلامية تعطي التدريب على العبادات أهمية بالغة ، فالصلاة التي تفرض على المسلم والمسلمة عند البلوغ ؛ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندربهم عليها منذ السابعة ، أي قبل البلوغ بمدة طويلة قد تصل إلى (5ـ7) سنوات . يقول الشيخ محمد قطب في كتابه منهج التربية الإسلامية: ((ومن وسائل التربية : التربية بالعادة أي تعويد الطفل على أشياء معينة حتى تصبح عادة ذاتية لـه . ومن أبرز الأمثلة شعائر العبادة وفي مقدمتها الصلاة .... وتكوين العادة في الصغر أسهل بكثير من تكوينها في الكبر ، ذلك أن الجهاز العصبي الغض أكثر قابلية للتشكيل ..... وقد اختص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة بهذا الأمر ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع ... ) لأن الصلاة عنوان الإسلام ، ولكن جميع آداب الإسلام وأوامره سائرة على هذا النهج ، فكلها تحتاج إلى تعويد مبكر . )).
وقد عنون الإمام البخاري يرحمه اللـه باباً في صحيحه اسمه باب صوم الصبيان وأورد حديث عمر رضي الله عنه حيث قال لنشوان في رمضان ( ويبدو أنه كان مفطـراً ) ويلـك وصبيـاننــا صيام فضربه ، وعلق الحافظ ابن حجر في الفتح فقال : (... واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري وقال به الشافعي أنهم (الصبيان) يؤمرون به (بالصوم) للتمرين عليه إذا أطاقوه وحده بالسبع والعشـــر كالصلاة . وحده إســـحاق باثنتي عشرة سنة ، وأحمد في رواية بعشر سنين ، وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعاً لا يضعف فيهن حمل على الصوم ، وأغرب ابن الماجشون من المالكية فقال إذا طاق الصبيان الصيام ألزموه، فإن أفطروا لغير عذر فعليهم القضاء [ فتح الباري 5/ 3 ] .
وأخرج البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت : أرسل رسول اللـه صلى الله عليه وسلم غداة عاشـــوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة (( من كان أصبح صائماً فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه )) فكنا بعد ذلك نصومه ، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء اللـه ، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ( الصوف ) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها ذلك حتى يكون عند الإفطار (صحيح البخاري في الصوم (1960) باب صوم الصبيان ، ومسلم (1136) باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يوم)، وعلق الحافظ ابن حجر فقال وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام ، لأن من كان مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف . وإنما صنع ذلك للتمرين .
وأخرج ابن أبي الدنيا يرحمه اللـه قال حدثنا إسحق بن إسماعيل، حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه أنه : كان يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه ، وبالصلاة إذا عقلوا [ العيال1/47 ] ، ومن المفيد ذكره أن المصنف ( ابن أبي الدنيا ) يرحمه اللـه قال باب تعليم الصبيان الصلاة ، ثم روى تحت هذا الباب أحاديث للصلاة وأحاديث للصوم ، وكأنــه ربط تعليــم الصوم بتعليم الصلاة ، وهذا هو الصحيح واللـه أعلم .
وفي المذهب الشافعي (ويؤمر به الصبي لسبع ويضرب لعشر) (أحمد بن النقيب المصري ، عمدة السالك وعدة الناسك ، طبع الشئون الدينية بقطر ، 1982م ). وفي المذهب الحنبلي (ويلزم الصوم لكل مسلم مكلف قادر، وعلى ولي صغير مطيق أمره به ، وضربه عليه ليعتاده ) [ الروض المربع 1/415 ]
ومـرة أخرى كما لاحظنا عند الأمر بالصلاة ، نجد أن الصبي يؤمر بالصوم قبل أن يفرض عليه ، من أجل التمرين والتدريب وتكوين العادة ، كما نلاحظ مـدة التدريب الطويلة كما في الصلاة من أجل التعود على الفريضة قبل أن تفرض . ومن الملاحظ تعجب غير المسلمين من إمساك المسلم نهاراً كاملاً عن الطعام والشراب ، ويظنون ذلك صعباً جداً لأنهم لم يعتادوه منذ الصغر .
ولا بأس في تدريب الصغار عـلى الصوم ــ إن كان اليوم طويلاً وحاراً ـ بأن يتسحر الطفل مع أسـرته ثم يمسـك حتى الظهر ، فتعطى لـه وجبـة ، ثم يمسـك بعدها حتى الإفطار ، ويسـمونه في الشـام ( درجات المئذنة ) ، وهذا لأطفال ما قبل السابعة إن وجدت عندهم الرغبة في الصوم وتقليد الكبار ، والهدف منه هو التدريب على الإمساك والامتناع عن الطعام والشراب مدة محددة .
نسأل الله عز وجل أن يهدينا والمسلمين إلى أفضل الطرق التي نربي بها أولادنا على الإسلام ، من أجل جيل مسلم يردنا إلى تحكيم شريعة الله عزوجل في حياتنا كلها ، والله على كل شيء قدير . والحمد لله رب العالمين .