اقترب شهر رمضان ولم يبق عليه إلاّ أيّام معدودات،
وهو ضيف سريع الارتحال كما في قوله تعالى:
{أيّامًا مَعْدودات...}
البقرة من الآية 184.
وحريٌ بالمؤمن أنّ يُخطِّط لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا الشهر المبارك الذي تعدّدت فيه النَّفَحَات الربّانية من أسباب المغفرة إلى العتق من النّار،
كما أخبر بذلك النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم في قوله:
''مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه''
رواه البخاري.
لقد كان سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُبَشِّر أصحابه الكرام بقدوم شهر رمضان فيقول:
''أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السّماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتُغَل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حَرُم خيرها فقد حرم''
رواه النسائي.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُبَيِّنًا فضل الله تعالى على عباده في رمضان:
''إنّ لله عتقاء في كلّ يوم وليلة لكلّ عبد منهم دعوة مستجابة''
رواه أحمد في المسند.
فإذا كانت هذه بعض أسباب المغفرة والعتق من النّار في رمضان، فينبغي لكلّ مَن أراد النّجاة أن يغتنم هذه النّفحات والجوائز حتّى يكون من العُتَقاء من النّار، وذلك من خلال:
ـ التوبة والإنابة:
فالتوبة من الذنوب واجبة في كلّ وقت، ولكنّها في رمضان أوجب، فمَن لم يَتُب في رمضان فمتَى يتوب، ومَن لم يُنِب فمتَى يُنِيب؟ قال الله تعالى:
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أيّها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
النور: .31
ـ الإخلاص لله:
قال الله تعالى:
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحَدًا}
الكهف: 110،
وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربِّه عزّ وجلّ:
''أنا أغْنَى الشُّركاء عن الشِّرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه''
رواه مسلم.
ـ اتّباع السُنّة:
يجب على المؤمن اتّباع سُنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه عليه الصّلاة والسّلام بيَّن كلّ شيء عن الصيام، فبيَّن متَى يصوم النّاس ومتَى يفطرون، وبيّن واجبات الصيام وسننه وآدابه، وبيّن فضائله وثمراته وبيّن المفطرات وما لا يؤثّر في الصيام وبيّن الأعذار المبيحة للفطر وغير ذلك مما يتعلّق بالصيام.
ـ الصبر:
الصبر من أشقّ الأمور على النُّفوس، ولذلك كان الصبر نصف الإيمان، وكان جزاؤه أعظم الجزاء كما قال الله تعالى:
{إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
الزمر: .10
ـ حفظ الوقت واستثماره في الطاعات:
كصوم نهاره وصلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم، وتفطير صائم والجود والصدقة وأداء العُمرة والاعتكاف وتحري ليلة القدر وقيامها.
ـ إتقان العمل وإحسانه:
قال تعالى:
{إنَّا لاَ نُضِيعُ أجْرَ مَنْ أحسن عَمَلاً}
الكهف: 30،
وقوله:
{فَإنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
هود: .115
ـ العفو والتّسامح وحُسن الخُلُق:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
''فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يَرْفَث ولا يَصْخَب، فإنْ سابَهُ أحد أو قاتله، فليقل: إنِّي صائم''
متفق عليه.
ـ محاسبة النّفس: قال الله تعالى:
{يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ × وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْسَاهُمْ أنْفُسَهُمْ}
الحشر: 18ـ.19
فاللّهمّ بلِّغْنا رمضان وأعِنَّا على الإحسان واجعلنا من عتقائك فيه من النّار.