بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
قال الله تعالى : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ . [1]
هل نحب الله عز وجل؟
يظن البعض أن الحب كلمة عابرة, أو كلمة رومانسية يتبادلها العشاق, أو ادعاء كاذب. كلا, أنها كلمة عميقة ذات معاني ومفاهيم عظيمة, وخصوصا حين تقال للخالق العليم, المطلع على السرائر.
لهذا فأن الآيتان تبين لنا المفهوم الحقيقي للمحبة الإلهية "حب الله" .
فكيف تدل على حبكَ لله عز وجل؟
أولاً: الحب المتبادل
هذه قاعدة مهمة بين الأحباب, بين الأبناء ووالديهم, وبين الزوجين, وبين الإخوة والأصدقاء. فإن كنت تريد من ابنك أن يحبك, فيجب أن تحبه. وان كنت تريد من زوجتك أن تحبك, فيجب أن تحبها. وهكذا أن كنت تريد من رب العالمين أن يحبك, فيجب عليك أن تحبه.
النبي في يوم خيبر يقول في حق علي وشأنه : " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله, ويحبه الله ورسوله, كرارٌ غير فرار... الخ ". لأن علي يحب الله تعالى, ويجاهد في سبيله, وشديد التنمر في ذات الله تعالى, ويحب النبي ويفديه بنفسه, ويذب الكرب عنه. لهذا فأن الله عز وجل ورسوله يحبان علياً .
ونحن إذا أردنا أن يحبنا لله عز وجل, يجب أن نحب الله تعالى أولاً وقبل كل شيء.
ثانياً: طاعة الله عز وجل
وتتجسد في امتثال أوامره واجتناب نواهيه.أي أن نصلي ونصوم ونزكي, ونبتعد عن المعاصي, كشرب الخمر والزنا والكذب والغش وما شابه ذلك. وهذه هي الطاعة. يقول الإمام الصادق : " ما عرف لله من عصاه " ثم انشأ قائلاً :
تعصى الإله وأنت تُظهر حبه هذا لعمري في الفعال بديعُ
لو كان حبك صادقاً لأطعته إنَّ المحب لمن يحب مطيعُ
ثالثاً: إتباع القدوة
إن رسول هو قدوة وأسوة لنا جميعا لكل الأجيال.
قال تعالى : ﴿ لَقدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [2]
فالذي يقول إني أحب الله. يجب أن يتبع القائد ويتأسى به ويقتدي به. فالرسول جسد كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية, وأوصى بها, لهذا يجب أن نتبع هذا النهج الذي رسمه لنا نبينا , ونطيعه في كل ما قاله وما وصل لنا من آيات قطعية وأحاديث صحيحة.
قال تعالى : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [3].
قال تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ [4].
نماذج في الحب الحقيقي
1. أمير المؤمنين يقول للمسلمين : " وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويُمُّسني جسده ويُشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل. ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علمًا ويأمرني بالإقتداء به. ولم يجمع بيت واحد يؤمئذٍ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشمُّ ريح النبوة " . [5]
2. أراد صهيب بن سنان الرومي لما أسلم بـمكة, أن يهاجر ويلتحق مع المهاجرين مع رسول الله , فمنعه كفار قريش, وقالوا له : جئتنا صعلوكاً فقيراً, فاشتغلت عندنا بـمكة وحصلت أموالك، وبلغت الذي بلغت, ثم تريد أن تخرج أنت مالك ؟! , والله لا يكون ذلك أبداً. فقال لهم : أرأيتم إن دفعت إليكم مالي، تخلون عني، قالوا: نعم. فدفع إليهم ماله وخرج من مكة إلى المدينة. بلغ ذلك النبي ، فقال : " ربح صهيب .. ربح صهيب " .
3. لما قدم أبو سفيان المدينة والنبي يريد غزو مكة، فكلمه في أن يزيد في الهدنة. فلم يقبل عليه. فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي ، طوته دونه. فقال : يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني، أم بي عنه ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله، وأنت امرؤ نجس مشرك .
هذه نماذج تعبر عن الحب الحقيقي لله عز وجل ولرسوله المصطفى . وهي من أروع الأمثلة في محبة الله ورسوله , لقد ضحوا بأموالهم وأنفسهم وقدموا محبة النبي على محبة ابائهم, ولم تأخذهم العصبية ولا حمية الجاهلية.
لماذا التولي عن خط النبي
لقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه المصطفى بالخلق العظيم, قال تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [6] , وقال النبي : " إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق " .
وهناك فئة من الناس تمشي عكس المساواة, وعكس الاتجاه ولمنهج. فالنبي هو نبي الرأفة والرحمة, وهو يدعو لذلك. أما هم فيمارسون الفسق والشدة والغلظة. والنبي يحث على الرفق واللطف, وهم يمارسون الإرهاب والعنف. النبي يأمر بالعفو والصفح والتسامح وهم يدعون للانتقام والتذابح. والنبي يحث على الألفة والوحدة والمحبة, وهم يمارسون الفرقة الفتنة والعداوة, ويدعون للكراهية والحقد والبغضاء.
أنها سوء الخلق, وليس حسن الخلق. بإسم الدين يكفرون الآخرين, وبإسم الإسلام ينبذون السلام. وتحت عباءة المعروف يطعنون الناس بالسكاكين والسيوف. لقد ضيعوا قيم الأخلاق والإنسانية, وابتعدوا وولوا عن منهج الرسول . لقد انقلبوا على أعقابهم كما انقلب أسلافهم. قال تعالى : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾
الطاعة لله عز وجل وطاعة النبي في إتباع ما جاء به وما جسده في حياته. قال تعالى : ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [1]
منافع حب النبي وأهل بيته
قال النبي : " حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة : عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب , وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط " . فمحبة النبي وأهل بيته تأتي بالخير وتجلب البركة في الدنيا, وتكون لنا شفاعة يوم الآخرة, وأعظم منفعة هي جنة الله تبارك وتعالى في الآخرة. قال النبي : " مَن رزقه الله حبّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة ، فلا يشكّنّ أحدٌ أنه في الجنة " .
أما أعداء أهل البيت وأعداء أتباع أهل البيت فأنهم خاسرون الدنيا والآخرة, وكما أنهم لم يربحوا في الدنيا زيارتهم ومحبتهم, كذلك لن يربحوا شفاعتهم وسيردون إلى الجحيم.
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على ولايتهم ومحبتهم. وأن لا يحرمنا شفاعتهم أنه سميعُ مجيب الدعاء. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وأصحبه المخلصين