من أدباء المقرر
1 ــ البوصيري
هو شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري . ولد بقرية "دلاص" إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، في (أول شوال 608هـ/7 مارس 1213م) لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة "صنهاجة" إحدى قبائل البربر، التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى، ونشأ بقرية "بوصير" القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب. فحفظ القرآن في طفولته، وتتلمذ على عدد من أعلام عصره.
نظم البوصيري الشعر منذ حداثة سنه وله قصائد كثيرة، ويمتاز شعره بالرصانة والجزالة، وجمال التعبير،واشتهر بمدائحه النبوية، كما كانت له تجارب في الهجاء ، ولكنه مال –بعد ذلك– إلى النُسْك وحياة الزهد، واتجه إلى شعر المدائح النبوية.
وتعد قصيدته "البردة" من أعظم المدائح النبوية، وقد أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة "كعب بن زهير" الشهيرة "بانت سعاد".
وقد أطلق البوصيري على هذه القصيدة البردة من باب المحاكاة لقصيدة كـعـــــب بن زهير( رضي الله عنه) في مدح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد اشتهر أن النـبي (صلى الله عليه وسلم) أعطى كعباً بردته حين أنشد القصيدة .
وقــــد ادعى البوصيري - في منامه( أن النبي صلى الله عليه وسلم) ألقى عليه بردة حين أنشده القصيدة !! وسماها : "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"
وله أيضا القصيدة "الهمزية" في مدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهي لا تقل فصاحة وجودة عن بردته الشهيرة. وبالإضافة إلى هاتين القصيدتين ترك البوصيري عددًا كبيرًا من القصائد والأشعار ضمّها ديوانه الشعري الذي حققه "محمد سيد كيلاني"، وطُبع بالقاهرة سنة (1374 هـ= 1955م ومن أشهر قصائد هذا الديوان :القصيدة "الخمرية"، وقصيدة "ذخر المعاد"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: "المخرج والمردود على النصارى واليهود".
وتُوفِّي الإمام البوصيري بالإسكندرية سنة (695 هـ/1295م) عن عمر بلغ 87 عامًا
مقطع من البردة:
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
أمن تذكــــــر جيــــــرانٍ بذى ســــــلم مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــــدم
َمْ هبَّــــت الريـــــحُ مِنْ تلقاءِ كاظمــةٍ وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتـــــــــــــــا وما لقلبك إن قلت استفق يهـــــــــم
أيحسب الصب أن الحب منكتـــــــــــم ما بين منسجم منه ومضطــــــــرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـــــللٍ ولا أرقت لذكر البانِ والعلــــــــــمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شـــــــــــــهدت به عليك عدول الدمع والســـــــــقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضــــــــنى مثل البهار على خديك والعنــــــــم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقنـــــــي والحب يعترض اللذات بالألــــــــمِ
يا لائمي في الهوى العذري معـــــذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلــــــــــمِ
عدتك حالي لا سري بمســــــــــــــتتر عن الوشاة ولا دائي بمنحســـــــــم
محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ إن المحب عن العذال في صــــــممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي والشيب أبعد في نصح عن التهـــتـمِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2_ابن نباتة المصري
الإمام العلامة جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن أبي حسن بن صالح بن يحيى بن طاهر بن محمد بن الخطيب عبد الرحيم بن نباته المصري شاعر العصر المملوكي. من ذرية الخطيب عبد الرحيم نباتة سيفالدولة المشهور، و بهذا اللقب أشتهر. أصله من ميافارقين، ومولده ووفاته في القاهرة . ولد في زقاق القناديل في ربيع الأول سنة 686.وقد نشأ في بيت ثري وبين أسره ظاهرة الجاه و النفوذ و في ظل أب ذاع صيته في العلم و الفضل و الأدب و كثيراً ما ردّد شاعرنا الفخر بأبيه و آله و بمجد بيته. قال ابن نباتة الشعر و قد اجتاز الثالثة عشرة من عمره وذلك يدل علی موهبة صادقة وفطرة خالصة و إطلاع كبير.
وعاش ما يزيد عن الثلاثين سنة الأولى من حياته في مصر ينهل من العلم حتى نال قسطا وافراً من الثقافة الدينية والأدبية و قد تأثر الشاعر منذ طفولته بالإمام الكبير ابن دقيق العيد و أخذ العلم عن أ شهر أعلام العصر.ثم فتح كتابا للتعليم وتزوج غير أنه وفي سنة (716ه.) توجه إلی بلاد الشام و اتصل بالملك المؤيد( المتوفي 732 ه.ق )،وقال فيه شعراً كثيراً.
وبعد وفاة الملك المؤيد و خلافة ابنه الملك الافضل(المتوفی742ه.ق) ترك حماة بعد أن لمس من الملك الجديد زهداً في الحياة و عزوفا عن الشعر و الشعراء و هكذا ينتهي دور الاستقرار و المجد و يبدأ دور التنقل و لكن شهرته قد بلغت قمتها في هذه المرحلة حتی دعي بشاعر المشرق.
ثم رحل و هو في ذروة شهرته عن أرض الشام و عاد إلی مصر سنة 662بعد غياب ا ستمر نصف قرن من الزمن
أصيب بالمرض و ظل يعالج في المارستان المنصوري حتى توفي يوم الثلاثاء السابع أو الثامن من شهر صفر سنة 686ه.ق -1366م في منزله بزقاق القناديل.
وللشاعر اثار عدة نذكر منها :
1_ أثاره الشعرية: الديوان الكبير ، القطر النباتي ، سوق الرقيق ، مطالع السته، مختار ديوان ابن الرومي ( المتوفی 283ه.ق ) مختار ديوان ابن سناء الملك ( المتوفی 608 ه.ق) ، خبز الشعير ، السبعة السيارة...
2_ آثاره النثرية : سجع المطوق، مطلع الفوائد ، سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون، زهر المنثور، إبراز الأخبار ، المفاخرة بين السيف و القلم ، المفاخرة بين الورد و النرجس، سلوك دول الملوك .
نموذج من شعرهسلام على عهد الصبابة والصّبا=سلام بعيد الدار لا غروَ ان صبا
مفارق أوطان له وشبيبه= اذا شرّقت أهل التواصل غرّبا
يعاودُ أحشاهُ من الشوق فاطرٌ= ويتلو عليه آخر الآي من سبا
وما زال صباًّ بالأحبة والهاً= الى أن حكاه دمعه فتصبَّبا
ـــــــــــــــــــــــــــ
3_ إيليا أبو ماضي
[b]إيليا أبو ماضي (1889 - 1957)، شاعر لبناني معاصر من شعراء المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية، ولد في قرية المحيدثة بناحية بكفيا في لبنان حوالي عام 1889 وتوفي عام 1957 في نيويورك.
سفره إلى مصر
سافر إلى الاسكندرية سنة 1900 ظل يعمل بمصر في التجارة وكان في أوقات فراغه ينظم الشعر و ينشره في الصحف المصرية حتى أكتملت لديه مجموعة من القصائد جمعها في ديوان طبعه في مدينة الاسكندرية و سماه "تذكار الماضي" لايليا ابو ماضي
هجرته إلى أمريكا
في سنة 1911 قرر مغادرة مصر متجها إلى الولايات المتحدة،استقر بمدينة سنستانى بضع أعوم ثم انتقل إلى نويورك سنة 1916م و أشتغل بالصحافة فأنشأ في 1929 مجلتا سماها السمير أصبحت جريدة يومية التقى بجماعة من رفاقه الأدباء العرب المهجرين و كونوا الرابطة القلمية في 1920 مع الأديب جبران خليل جبران كان لها الفضل في نشر مذهبه الأدبيشعره و تطوره
خلف أبو ماضي تراثا شعريا جيدا بدأ بنشره في الصحف المصرية ثم تابع انتاجه في أمريكا و قد ظهرت دواوينه على النحو التالي
•ديوان تذكار الماضي نشره بالأسكندرية عام 1911م
•ديوان ايليا أبو ماضي طبع في نويورك عام 1918م
•الجداول صدر في نويورك عام 1927م
•الخمائل صدر في نويورك عام 1940م و طبع بالمشرق العربي عدة مرات
•مجموعة من القصائد متناثرة في بعض الصحف و خاصة صحيفة "العصبة"
تميزت اشعارة بالرقة والعذوبة والحنين إلى الوطن ووصف الطبيعه. قالت عنه فدوى طوقان: «إنني أرفع أبو ماضي إلى القمة ولا أفضّل عليه شاعراً عربياً آخر لا في القديم ولا في الحديث. فالشعر العربي لم يعرف له من نظير.»
من دواوينه
1/ تذكار الماضي
2/ الجــداول
3/ الخمائل
4/ تبر وتراب
5/ الغابة المفقودة
6/ الخمائل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_4 الأب حنا الفاخوري
حنا الفاخوري أديب وكاتب لبناني معاصر ولد سنة 1916 في زحلة،التي نزح إليها أهله من قرية مجدلون الواقعة قرب بعلبك في أوائل الحرب العالمية الأولى،وهناك تلقى دروسه الابتدائية وفي سنة 1927 انتقل الى القدس حيث أنهى دروسه المتوسطة والثانوية، وأتم تعليمه بدراسة الفلسفية، وفي سنة 1936، انضم الى جمعية المرسلين البولسيين. و كلّف بالتدريس في الإكليريكية التي أنشأتها الجمعية البولسية في ذلك الوقت ، وفي هذه المرحلة بدأ نشاطه الثقافي والأدبي ، حيث بدأ يضع الكتب المدرسية وغيرها من الكتب الأدبية.
وقد كان إنتاجه غزيرا وفيرا فقد كتـب أكثـر من مئـة كـتاب في اللغة والأصول والإنشاء والأدب والفلسفـة والدين، وأشهر كتبه التي تعتبر بحق من أكثر المراجع حضورا في الدراسات الأدبية كتاب "تاريـخ الأدب العربي" الذي ظهرت الطبعة الأولى منه سنـة 1951 وأصبـح مقرونـاً باسمه في كل أنحـاء العالم العربـي، وترجمـه إلى اللغة الفارسية سنة 1958 والى اللغة الروسية سنة 1959.
وألف سنة 1958 كتاب "تاريخ الفلسفة العربية" وقد ترجم أيضاً الى اللغة الفارسية.
كما ألف العديد من الكتب المدرسية حول الأدب واللغة، وحقق في الكثير من مؤلفات التراث شارحاً معلّقاً.
وللرجل إسهامات جمة منها أنه كان أستاذا محاضر في جامعات أوروبا وفي مؤسسات تونسية ومغربية.
- يحمل أوسمة مختلفة من وطنه لبنان ومن إيران ومن البرازيل.
_5ابن خلدون
هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المؤرخ ورائد علم الاجتماع الحديث الذي ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليوم. ولد في تونس عام 1332م (732 ﮪ)بالدار الكائنة بنهج تربة الباي عدد 34 وعاش في أقطار تونس والجزائر والمغرب الأقصى. وكانت أسرة ابن خلدون على ما ذكر في كتاباته أسرة ذات نفوذ في إشبيلية في الأندلس، ثم نزحت منها إلى تونس وكان قدوم عائلته إلى تونس في دولة الحفصيين، وقضى أغلب مراحل حياته في بلده تونس وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة بني سلامة بالجزائر وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها متميزا خاصة انه سليل المدرسة الزيتونية العريقة. ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك.
ويعد من كبار العلماء الذين أنجتبهم شمال افريقيا، إذ قدم نظريات كثيرة جديدة في علمي الإجتماع والتأريخ ، بشكل خاص في كتابيه: العبر والمقدمة. وقد عمل في التدريس في الزيتونة بتونس ثم في بلاد المغرب، بجامعة القرويين التى أسسته فتاتتن قدمتا من القيروان وأسستا جامع القروويين نسبة إلى القيروان، ثم في الجامع الازهر في القاهرة، وغيرها من محافل المعرفة التي كثرت في أرجاء العالم الاسلامي المختلفة خلال القرن الرابع عشر نظراً لحض الدين الإسلامي الحنيف للناس على طلب العلم. وقد عمل ابن خلدون في مجال القضاء أكثر من مرة، وحاول تحقيق العدالة الاجتماعية في الأحكام التي أصدرها. ونحن نقتطف وصفه لمعاناته في هذا المجال في كتاب مذكراته التعريف بابن خلدون.
وتوفي في مصر عام 1406، و دفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال القاهرة. وقبره غير معروف. والدار التي ولد بها كائنة بنهج تربة الباي عدد 34 بتونس العاصمة بالمدينة العتيقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
_ 6أحمد شوقي
هو احمد بن علي شوقي، معروف بأمير الشعراء. ولد في القاهرة سنة 1868 وترعرع في ظلّ البيت المالك، لأن جدتّه لأمّه كانت من وصيفات القصر في عهد الخديوي اسماعيل.
تلقّى علومه الأولى في مكتب الشيخ صالح، تُمَّ انتقل إلى مدرسة(المبتديان) وبعدها إلى المدرسة التجهيزية . تخرّج بعد ذلك من مدرسة الحقوق، ونال شهادته من فرع الترجمة الذي أسّس فيها.
أعطاه الخديوي منحة دراسيّة ليتابع دروس الحقوق في فرنسا. فتوجّه الى مونبوليه حيث التحق بجامعتها لمدّة سنتين، ثم اكمل دراسة الحقوق في باريس لمدّة سنتين أخريين. ظلّ يرسل من باريس قصائد المديح في المناسبات للجناب العالي.
عاد الى مصر سنة 1892 ودخل في معيّة الخديوي عبّاس حلمي، وانقطع اليه والى نظم الشعر ونال حظوة كبيرة .
في سنة 1914، وبعد أن خلعت انكلترا الخديوي عبّاس حلمي بسبب ميله الى الأتراك المتحالفين مع ألمانيا، طلبت الى شوقي ، شاعره ، ان يترك مصر وأن يختار منفاه، فاختار اسبانيا وسافر اليها سنة 1915.
بعد انتهاء الحرب عاد شوقي الى وطنه في أواخر سنة 1919 فوجد وجه مصر قد تغيّر ، فسارع الى التكيّف مع الوضع الجديد، فتوجّه في شعره نحو الشعب وقضاياه، فبايعه الشعراء العرب امارة الشعر سنة 1927 في أثناء حفلة تكريميّة برعاية الحكومة المصريّة.
عرف عنه أنّه كان ضيّق الصدر بالنقد. توفّي شوقي سنة 1932.
له ديوان عنوانه «الشوقيات» يقع في أربعة أجزاء ويتضمن سيرته ومجمل شعره. وله مسرحيّات ستّ: هي: مصرع كيلوبترا – مجنون ليلى- قمبيز- علي بك الكبير- أميرة الأندلس- عنترة وهي من المآسي . كما ألّف ملهاة واحدة هي «ألستّ هدى».
زَحْلَة
شَيَّعْتُ أحلامي بِقَلْبٍ باكِ ولَمَمْتُ من طُرُقِ المِلاحِ شِباكي
وَرَجَعتُ أَدْراجَ الشَبابِ وَوَرْدَهُ أَمشي مَكانَهُما عَلى الأشواكِ
وَبِجانِبي وَاهٍ كَأَنَّ خُفوقَهُ لَمَّا تَلَفّتَ جَهْشَةُ المُتَباكي
شاكي السِّلاحِ إذا خَلا بِضُلوعِهِ فإذا أُهِيْبَ بِهِ فَلَيْسَ بِشاكِ ...
لَمْ تَبْقَ مِنَّا يا فُؤادُ بَقيَّةٌ لِفُتُوَّةٍ أو فَضْلَهٌ لِعِراكِ
كُنَّا إذا صَفَّقْتَ، نَسْتَبِقُ الهوّى وَنَشُدُ شدَّ العُصبَةِ الفُتَّاكِ
واليومَ تَبعَثُ فِيّ حيْنَ تَهُزُّني ما يَبْعَثُ الناقوس في النُسَّاكِ
يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وعَادَنيْ ما يُشْبِهُ الأحلامَ مِنْ ذِكْراكِ
مَثَّلْتُ في الذكرى هَواكِ وَفي الكَرى والذِّكرياتُ صَدى السِنيْنَ الحاكي
ولَقَدْ مَرَرْتُ عَلى الرياضِ بِرَبْوةٍ غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها ألقاكِ
ضَحِكَتْ إليًّ وُجوهُها وَعيونُها وَوَجّدتُ في أنفاسِها رَيّاكِ
لَمْ أَدرِ ما طِيْبُ العِناقِ عَلى الهَوى حتَّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطَواكِ
وتأَوَّدَتْ أعْطافُ بانِكِ في يّدي واحمًرَّ مِنْ خَفَريهِما خَدَّاكِ
وَدَخَلْتُ في لَيلَينِ فَرْعَكِ والدُجى ولَثَمْتُ كَالصُبْحِ المُنَوَّر فاكِ ...
وتَعَطَّلَتْ لُغَةُ الكَلامِ وخاطَبَتْ عينيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيْناكِ ...
لا أَمْسِ مِنْ عُمْرِ الزمانِ ولا غَدٌ جُمِعَ الزَمَانُ فَكانَ يَوْمَ رِضاكِ .
الشوقيات: أحمد شوقي
أيها العمَّال
أيّها العمالُ، أفنوا ال عمر كداًّ واكتساباً
واعمروا الأرضَ، فلولا سعيُكم امست يَبابا
إن لي نصحاً إليكم إن اذِنْتُم وعِتابـا
في زمان غَبِىَ النا صحُ فيه، أو تغابــى
أين انتم من جدود خلدوا هذا الترابا؟
قَلَّدوه الأثرَ المُعـ جِزَ ، والفنَّ العُجابــا
وكَسَوْهُ أبدَ الدهـ رَ من الفخر ثيابــا
أتقَنوا الصنعَةَ، حتى أخذوا الخُلدَ اغتصابا
إن للمتقِن عند الله والناسِ ثوابـا
أتقِنُوا، يُحْبِبْكُمُ الل هُ ويرفعْكم جنابـا
أرضيتم أن تُرى (مص رُ ) من الفن خرابـا؟
بعد ما كانت سماءًَ للصناعاتِ وغابا
* * *
المطرية تتكلّم
يا ناشرَ العلم بهذى البلادْ وُفِّقتَ، نشرُ العلم مثلُ الجهاد
بانىَ صَرْحِ المجدِ، أنتَ الذي تبنى بيوتَ العلم في كل ناد
بالعلم ساد الناسُ في عصرهم واخترقوا السبعَ الطِّباقَ الشَّداد
أيطلب المجدَ ويبغى العلا قومٌ لسوقِ العلم فيهم كساد؟
نَقَّادُ أعمالك مُغْلٍ لها إذا غلا الدرُّ غلا الانتقاد
ما اصعبَ الفعلَ لمن رامه وأسهلَ القولَ علىمن أراد
سمعاً لشكواى، فإن لم تجد منك قبولاً، فالشكوى تُعاد
عدلاً على ما كان من فضلكم فالفضلُ إن وُزِّع بالعدلِ زاد
أسمعُ احياناً ، وحيناً أَرى مدرسةً في كلِّ حىّ تُشاد
قّدَّمْتَ قبلى مدناً أو قُرى كنتُ أنا السيفَ، وكنّ النِجاد
انا التى كنت سريراً لمن ساد (كإدّورْدَ) زماناً وشاد
قد وحّد الخالقَ في هيكلٍ من قبل سقراطَ ومن قبل عاد
وهذب الهندُ دياناتِهم بكل خافٍ من رموزى وباد
ومن تلاميذى موسى الذي أُوحِى مِنْ بعدُ إليه فهاد
وأرضعَ الحكمةَ عيسى الهدى ايامَ تُربِى مهدُّه والوساد
مدرستى كانت حياضَ النُّهى قرارةَ العرفان، دارَ الرشاد
لُبْنَـــان
السَّحْرُ من سُود العيونِ لقِيتُهُ والبابِليُّ بلحظهنّ سُقِيتُهُ
الفاتراتِ وما فَتَرْنَ رمايةً بمُسَدَّدٍ بينَ الضلوع مَبيتُه
الناعساتِ الموقظاتى للهوى المُغْرياتِ به وكنتُ سَلِبته
القاتلاتِ بعابثٍ في جَفنه ثمل الغِرار معَرْبد إصْليته
الشارعاتِ الهُدْبَ امثالَ القنا يُحيى الطَّعينَ بنظرة ويُميته
الناسجاتِ على سواء سطورِه سَقماً على منوالهن كُسِيته
* * *
وأغنَّ أكحلَ من مَها(بكْفيّة) علِقت محاجرُه دمى وعَلِقته
لُبنانُ دارتَُه وفيه كِناسُه بين القنا الخطَّار خُط نحَيته
السلسبيلُ من الجداول ورْدُه والآسُ من خُضْرِ الخمائل قوتُه
إن قلتُ تمثال الجمال مُنَصّبا قال الجمال براحتىَّ مَثلْته
دخل الكنيسةَ فارتقبْتُ فلم يُطِل فأتيت دون طريقِه فزحمته
فازْور غضباناً وأعرض نافِراً حالٌ من الغِيد الملاح عرفتُه
فصرفتُ تلْعَابى إلى اترابه وزَعمتهن لُبانتى فاغرتُه
فمشى إليّ وليس أوّلَ جؤْذَرٍ وقعت عليه حبائلى فقنصته
قد جاءَ من سحر الجفون فصادّني وأتيتُ من سحر البيان فصدْته
لما ظفرتُ به على حَرَم الهُدَى لأبن البتول وللصلاة وهبته
قالت ترى نجمَ البيان فقلت بل اُفق البيان بارضكم يممته
بلغ السُّها بشموسه وبدوُره لبنان وانتظم المشارق صيته
من كلّ عالى القدر من أعلامه تتهلل الفصحى إذا سميته
حامى الحقيقة،لا القديم يئوده حفظاً ولا طلبُ الجديد يفوته
وعلى المشيد الفخمِ من آثاره خلُق يبين جلالُه وثبوته
في كلِّ رابيةٍ وكل قرارة تبْرُ القرائح في التراب لمحته
اقبلتُ أبكى العلم حول رسومهم ثم انثنيت إلى البيان بكيته
لبنانُ والخُلد، اختراع الله لم يُسَم بأزينَ منهما ملكوته
هو ذِرْوة في الحسن غير مَرُومة وذَرا البراعة والحجى ( بَيروته)
مَلِكُ الهضابِ الشمِّ سلطانُ الرُّبى هامُ السحاب عروشُه وتُخوته
سيناءُ شاطَره الجلالَ فلا يُرى إلاّ له سُبُحاته وسُموته
والأبلقُ الفردُ انتهت اوصافهُ في الُّسؤْدد العالى له ونعوته
جبل عن آذار يُزْرى صيفُه وشتاؤه يَئِد القرى جبروته
ابهى من الوَشْى الكريم مروجُه وأَلذُّ من عَطلِ النُّحور مُروتُه
يغْشى روّابيَه على كافورها مِسك الوهادِ فَتيقُه وفَتيِتُه
وكأن أيامَ الشباب ربوعُه وكأن أحلامَ الكعاب بيوتُه
وكأن رْيعانَ الصِّبا ريْحانُه سِر السرور يَجودهُ ويقوتُه
وكأن أثداءَ النواهد تِينُه وكأن اقراط الولائد توته
وكأن هَمس القاع في اذن الصفا صوتُ العتابِ ظهوره وخفُوته
وكأن ماءَهما وجَرْسَ لُجَينه وَضحُ العروس تبينه وتصيتُه
* * *
الهلال والصليب الأحمران
( جبريل)، أنت هدى السما ءِ وأنت برهانُ العِنايه
أُبْسُطْ جَنَاحَيْكَ الذيْ ن هما الطهارةُ والهدايه
وزِد (الهلالَ) من الكرا مةِ ، وال (الصليبَ) من الرعايه
فهما لربِّك رايةٌ والحربُ للشيطان رايه
لم يخلق الرحمن أَك بر منهما في البِرِّ آيه
الأحمران عن الدم ال غالى وحرمتِه كنايه
الغادِيان لنجدةٍ الرائحان الى وقايه
يتأَلَّقان على الوَغى رشداً تَبَيَّن من غوايه
يقفان في جنب الدَّما كالعُذْرِ في جنب الجنايه
لو خَيَّما في (كربلا) لم يُمْنع ( السَّبطُ) السّقايه
أو ادركا يوم المسي ح لعاوناه على النكايه
ولناولاهُ الشهدَ، لا ال خل الذي تصِفُ الروايه
يأبها ( اللادى) التي ألقت على الجرحَى حِمايه
أَبلَيْتِ في نزع السها م بلاءَ دَهْركِ في الرمايه
ومررتِ بالأسرى، فكن تِ نسيمَ واديهم سِرايه
الصحافة
لكلِّ زمانٍ مضى آيةٌ وآيةُ هذا الزمانِ الصُّحُف
لسانُ البلادِ، ونبضُ العباد وكهفُ الحقوق وحربُ الجنَف
تسيرُ مسيرَ الضحى في البلاد إذا العلمُ مزَّق فيها السَّدف
وتمشى تُعلِّمُ في أُمةٍ كثيرةِ مَنْ لا يخُطُّ الألِف !
فيا فتيةَ الصحْف، صبراً إذا نبا الرزقُ فيها بكم واختلف
فإنُ السعادةَ غيرُ الظهو رِ ، وغيرُ الثراءِ، وغيرُ الترف
ولكنها في نواحى الضمير إذا هو باللؤم لم يُكتنف
خذوا القصدَ، واقتنعوا بالكفاف وخلوا الفضولَ يغلْها السَّرف
وروموا النبوغَ ، فمن ناله تلقَّى من الحظَّ اسنى التحَف
وما الرزقُ مجتنِبٌ حِرْفَةً إذا الحظُّ لم يهجر المحترِف
إذا آختِ الجوهريَّ الحظوظ كفلنَ اليتيمَ له في الصَّدف
وإن أعرضت عنه لم يحلُ في عيونِ الخرائد غيرُ الخزف
ــــــــــــــــــــــــــــــ
_7رشيد سليم الخوري الملقب بالقروي
في كتابه: "القروي" شاعر العروبة في المهجر "يحاول الدكتور: أحمد مطلوب أن يبرز لنا شخصية "رشيد سليم الخوري" كنموذج فريد للسفراء العرب الذين وهبوا أنفسهم للعروبة، والوحدة العربية، وللقضايا القومية بشكل عام، والقضية الوطنية بشكل خاص؛ بالرغم من أن "رشيد الخوري" لم يكن بجسده داخل الوطن العربي، وإنما بروحه، أما الجسد فقد هاجر به ونأى به بعيداً، مستقراً في المهجر، وبالتحديد "البرازيل" إذْ كان الشاعر "رشيد الخوري" الملقب ب"القروي" أحد شعراء وكتاب "المهجر الجنوبي" وتولّى رئاسة تحرير مجلة "الرابطة" لمدة ثلاث سنوات، ثم رئاسة "العصبة الأندلسية" عام 1958م، فكان رئيسها الثاني بعد "ميشال معلوف"، وظل في المهجر مدّة خمسةٍ وأربعين عاماً؛ حيث عاد إلى وطنه - الذي قضى فيه ثلاثة وعشرين سنة - وذلك في عهد الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958م.
كتاب "القروي....." يستعرض من خلاله الكاتب كثيراً من الجوانب الهامّة والغامضة في حياة هذا الشاعر وشعره "الثائر"؛ حيث احتوى الكتاب على أربعة فصول ركزت على أربع نواحٍ هي: (السيرة – الوطنية – القومية – الإنسانية) إلى جانب المقدِّمة التي تفسِّر سبب اختياره لهذه الشخصية توجز محتوى الفصول الأربعة.. يلي ا لمقدمة ما سُمي بـ"الإطلالة" وهي إيجاز للتاريخ الحضاري منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى بدء انهيار معالم هذه الحضارة وأسباب هذا الانهيار.. وقد اعتمد الكاتب - في تناولاته - جميعها على عدة مصادر زادت عن خمس وثلاثين مصدراً استعان من خلالها على إيضاح بعض الحقائق وما غمض منها، فكان ديوان الشاعر أهم تلك المصادر، والكتابُ ليس تناولاً نقدياً وإنما تعريف بالشاعر وإنتاجه والأغراض التي طرقتها أشعاره، وإيضاح المكانة التي يحتلها الشاعر بين شعراء عصره؛ إذ هو ليس سوى تذكير بشاعر – كما يقول الكاتب – " وهب نفسه للعروبة" " وإن نسيه قومه وجحد فضله أعداء الأمة والوطن سيظل خالداً".
وبدا الكاتب متأثراً كثيراً بشاعر نحو "رشيد الخوري" لا سيما وهو يخلع عليه كثيراً من النعوت والأوصاف فهو "حمل الراية واتخذ العروبة شرعةً ومنهاجاً" وهو "قدِّيس الوحدة العربية" وهو "شاعرة العروبة" "كانت قصائده في الثورة من أروع ما عرف الشعر الحديث" "ويكاد يكون فارس هذا الميدان" "لو ظهر في وطن حرٍّّ لملأ الدنيا حبّاً ونجوى" "هذا العربي الهارب من جحيم العبودية "عاش من أجل الإنسانية" "ناضل من أجل أهداف الأمة والوحدة والحرية"... إلخ.
ونحن لا بد أن نعذر الكاتب لا سيما إذا ما أدركنا أنه – أي الكاتب - كان أحد المقاتلين ضد العدو الصهيوني يوماً ما فكان أحد جنود الجبهة شرق البصرة، فكانت قصائد القروي" الثائرة" صدىً لأفعاله؛ لا سيما وهي تطرق جوانب وطنية قومية كانت سمة تلك الفترة من الزمن الماضي. ويهمنا في هذه السطور أن نبرز بعض الجوانب الهامة التي تناولها الكاتب ومنها:
• ولادة الشاعر: حيث "ولد الشاعر سليم الخوري في قرية البربارة بلبنان عام 1887" "ولرشيد الخوري من الإخوة قيصر الذي عرف بالشاعر المدني".
اللقب: استعان الكاتب بحكاية طريفة وردت على لسان الشاعر نفسه رواها في ديوانه حيث يذكر بأن يعقوب العودات "البدوي الملثم" سأله يوماً: كيف اخترت اسم الشاعر القروي.. فيسرد له الشاعر حكاية مؤداها بأن الشاعر ولدى صدور ديوانه "الرشيديات" لم يُرق لأحد النقاد وهو "قسطنطين الحدَّاد" فظل لفترة ينقده في جريدة "المؤدب" واصفاً الشاعر بنعوت هدفها التقليل من شأنه وشأن شعره، وذات يوم وهو يقرأ الصحيفة متابعاً نقد الناقد له، ظل يقرأ إلى أن وصل إلى قوله "من هو هذا الشاعر "الـ.. شاعر" جرن الكبَّة.. ألشاعر القروي".
وبما أن الناقد كان يحاول من خلال إطلاق هذا اللقب التقليل من شأن شعره لكن الشاعر استهوته هذه التسمية وجذبه هذا اللقب فأصرَّ على التشبث به، وقد كان له ما أراد.
ثقافة الشاعر: عن ثقافة القروي يقول الكاتب بأنها " لم تكن واسعةً لأنه انصرف إلى تحصيل لقمة العيش" والشاعر نفسه من خلال ديوانه يعترف بأنه ليس من العلم من شيء "ولكنني أميل إلى مطالعة الأخبار العلمية قبل أية قصيدة ".. يقول الكاتب" وبالرغم من هذا الاعتراف ترجم قصيدة "أطل" عن البرتغالية، بتصرف ونقل عن الأنكيرية مقاطع من قصيدة "أجراس العيد".. فإذا كان الكاتب يقول بأن الشاعر انصرف إلى لقمة العيش أكثر من انصرافه للعلم فبماذا نفسر قول الشاعر "القروي":
"صرفت شبابي أطلب العمل ثروةً فقالوا جنونٌ والجنون الذي قالوا"
شقيت لأني بينكم غير جاهلٍ فما بالكم لو كان لي حظ عالم"
هجرة الشاعر: عن هجرة الشاعر إلى "البرازيل" يستعين الكاتب بما قاله الشاعر عن نفسه.- واصفاً هذه الرحلة - حيث أبحر الشاعر برفقه أخيه قيصر "عام 1913م متجهاً إلى البرازيل، بعد تلقيه دعوة من عمه "اسكندر" القبطان في الجيش البرازيلي مرفقاً معها المال اللازم لهذه الرحلة، ولكن الشاعر - ولدى وصول "البرازيل"- ظل يتنقل من مدينة إلى مدينة، ليستقر به المقام في مدينة "صنبول" ونجده في بداية إقامته متنقلاً من مدينة لأخرى، وقد ضاق به الحال واشتد به الضيق نتيجة بُعده عن الوطن؛ فيلجأ إلى القصيد لينفث من خلاله زفراته وأحزانه:
"يا دهرُ قد صيَّرت حالي غبرة عدٌ ووجدٌ وجوىً وعبرة"
وقال: "نأت عنك الأحبة والديار ُ دمعك والأسى وطن والجار
أما عن السبب الرئيسي لهجرة الشاعر فلم يكن سوى الحاجة إلى المال، حيث نجد الفاقة والفقر دافعين قويين لهذه الهجرة، إذا ما أضيف لهما الحالة السياسية والاقتصادية لوطنه آنذاك لبنان، ولكن الشاعر لم يُهزم ويقول "ما هاجمتني الفاقة إلا وواهنت قرنها بحائط من عناية الله، ولكم أمسيتُ خالي الوفاض فضحكت استهزاءً من العدم، وتساءلت: رشيد خوري يجوع!! فهذا هو القروي الشاعر.
• بداية الانطلاق: في مدينة صنبول التي "ازدانت ببعض نجوم الأدب العربي، وصدرت منها صحف وتأسست جمعيات وأندية، وكانت الحفلات الأدبية، والخيرية والوطنية تقوم على قدم وساق"، في هذه المدينة يجد القروي ضالته، فاتخذها مقاماً، ومنها ينطلق صوته المجاهد ليؤدي واجبه نحو وطنه وأمته، فذاع صيته، وانطلقت قصائده الثائرة تحرِّض أبناء جلدته على الاستماتة في سبيل نيل الحرية وصون الكرامة، ظل خلال ذلك متَّصلاً بقضايا أمته ووطنه لبنان، فكانت هذه ميزة اتسم بها الأدب العربي في المهجر الجنوبي، وهي الاتصال الدائم بقضايا الأمة.. يقول " نظير زيتون" "وميزة الأدب العربي في "البرازيل" أنه يستمد وحيه من الواقع العربي في الدرجة الأولى؛ ومن الحياة والتسامي الفكري في الدرجة الثانية، في حين أن الأدب العربي في الولايات المتحدة وبالتالي "أدب الرابطة القلمية" كان طابعع الرئيس وجدانيَّاً صوفيَّاً، وقف بمعزل عن الواقع العربي والقضايا العربية وإن كان ينزع بعض الأحيان إلى الاتصال الروحي والاجتماعي" ( الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث).
• نهاية الشاعر العودة إلى الوطن : وبعد خمسة وأربعين عاماً كان لا بد للطائر أن يعود إلى عشِّه الأول:
"بنت العروبة هيئي كفني أنا عائد لأموت في وطني"
وعن مجلة "آفاق عربية" ينقل الكاتب خبر وفاة الشاعر وكيفيتها، حيث تفارقه الروح وهو متجه بالسيارة إلى قريته "البربارة".. كان ذلك صباح الاثنين 27 من عام 1984م
وصية الشاعر: كانت وصية الشاعر "القروي" - على طرافتها، وغرابتها – دالة على شخصية مزدوجة؛ إذ من خلال هذه الوصية يتضح لنا بأن الشاعر لم يكن مسيحياً خالصاً أو مسلماً خالصاً، ذاك لأنه خلط ما بين ولائه للديانة المسيحية، والديانة الإسلامية، ولا بأس أن نسرد جانباً من تلك الوصية "الطريفة" التي أوردها الكاتب مستعيناً بما كتبه الشاعر؛ فقد طلب الشاعر في وصيته أن يصلي على جثمانه شيخ وكاهن، والاقتصار على تلاوة الفاتحة والصلاة المسيحية.. كما طلب "أن ينصب على قبره شاهد خشبي متين في رأسه صليب وهلال متعانقان رمز للديانتين الإسلامية وامحسيحية".
ونعلم بأن "القروي" مسيحي الديانة وينتمي إلى عقيدة "الأرثوذوكسية" التي تعتقد بالمسيح إنساناً لا إلهاً، كما تقول العقيدة "الأرثوذكسية" .. أما هل اعتنق "ألقروي" الديانة الإسلامية قبل وفاته، يقول الكاتب: لا " ولكنه اتخذ من دين العروبة سبيلاً له في الحياة".
• من آثار الشاعر:
- الرشيديات" أول مجموعة شعرية له طبعت عام 1916م – في البرازيل.
- "القرويات" طبع عام 1916م – في البرازيل.
- الأعاصير: شعر قومي الطبعة الأولى عام 1933م
- الزمازم: مختارات حماسية طبعت عام 1962م.
- اللاميات الثلاث منها قصيدتان للقروي، والثالثة للأمير "شكيب أرسلان".
- ديوان "القروي" صدرت طبعته الأولى عام 1952م – في البرازيل.
نماذج من أعماله
أول قصيدة للقروي
لنـا وطنٌ
لنـا وطنٌ هـلاّ سمِعـنا نحيـبهُ
وهلاّ رأيـنا ضعـفَه وشحوبَـهُ
إذا كان حبُّ الغيرِ فرضاً على الفتى
فكم هو فرضٌ أن يُحبَّ قريبَـه
لعينـيكَ يا لبـنان قُـوتي وقوَّتي
وتعـرفني غضَّ الشبابِ رطيبَـهُ
لأنتَ حبـيبي قبلَ أيِّ حبــيبة
وإنِّي محبٌّ لا يخـون حبـيـبَهُ
حملتُ صـليبي قاصداً أرضَ موعدي
فمن شاءَ فليحمل ورائي صليبـهُ
الفتنة الكبرى
عرتني خشــيـةٌ لله لـما رأيت الشمس تأذن بالشروق
فلم أرفع يدي بالحمد حتى ذكرت بضاعتي وكساد سوقي
ولما قمت منصرفاً لشأني تذكرت الصلاة على الطريق
حملت بضاعتي .. ألقي اتكالي على المولى ووعد من صديق
فلم أبصر جمال الروض حتى عرتني هزة الشعر الرقيق
ولما عدت من نظم القوافي تذكرت الصديق على الطريق
وإني في ذهول الشعر يوماً أحوم به على غصن وريق
إذا بحمامةٍ تبكي بكاءً له جمدت دمائي في عروقي
فلما ذاب في سمعي صداها تذكرت القريض على الطريق
سمعتُ كمنجةً في كفّ أعمى تثير كوامن الحس العميق
فلما كنتُ منجذباً إليها ومِلْتِ إلي ّ بالقدِّ الرشيق
ذُهلتُ عن الصلاةِ وكسبِ رزقي وشِعْري والكمنجة والطريق
لبنان مل
نبِّهْ جفونكَ من لذيذ منامِ طلع الصباحُ على ربوع الشامِ
ما ضرَّ من أفنى الحياةَ مُسهَّداً أن بات يُوقَظ مرَّةً في العام
يا سيّدَ القلمِ الذي انقادت لهُ يومَ النضال أعنّةُ الأقلام
بشرى إليكَ نزفُّها وقلوبُنا فُلْكٌ على دمع السرورِ الطامي
نزلتْ كرضوان العليِّ وغلغلتْ كالمُزْن بين جنادلٍ ورَغام
وسرتْ مُروِّحةً رُفاتَكَ بالندى والبُرءِ تلمس موطنَ الآلام
وتعيد حجرتَكَ الوضيعةَ قبّةً زهراءَ تُطلع ألفَ بدرِ تمام
ما أنتَ بعدُ من الردى في غمرةٍ بل أنتَ في شفقٍ من الأحلام
لبنانُ ملَّ سريرَه وأبلَّ من شللِ الخمول وسُلِّ الاستسلام
غسل «الدخانُ»(1) من الشحوب جبينَه وكم اكتسى من ثلجه بقَتام!!!
لبنانُ يا وطنَ الجمالِ ومُنجبَ الْـ أبطالِ والصُيّابة الأعلام
كم قد نصحتكَ فاتَّهمتَ نصيحتي أفأقنعتْكَ حوادثُ الأيام؟
يهديك نورُ العلمِ يا أعمى ولا يهديكَ غيرُ اللّهِ يا متعامي!
أسلمتَ للأمّ الحنونِ(2) فقل لنا أَوَجدتْها خيراً من الإسلام؟
يمشي الغريبُ إلى خِوانكَ ساخراً ويؤوب بالإجلال والإكرام
كرمُ الخِلالِ جنى على أربابهِ يا ليتَ أهلَ الشامِ غيرُ كرام
أنا ما رأيتُ فضيلةً مكروهةً كتواضعِ الأعراب للأعجام
ـــــــــــــــــــــــــ
8 ـ نازك الملائكة
ولدت الشاعرة نازك الملائكة في بغداد عام 1923م ، ونشأت في بيت علمٍ وأدب ، في رعاية أمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق أم نزار الملائكة وأبيها الأديب الباحث صادق الملائكة ، فتربَّت على الدعة وهُيئتْ لها أسباب الثقافة . وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز ، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من معين اللغة الانكليزية وآدابها عام 1950 بالإضافة إلى آداب اللغة العربية التي أُجيزت فيها . عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة .
تجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ، بالإضافة إلى اللغة العربية ، وتحمل شهادة الليسانس باللغة العربية من كلية التربية ببغداد ، والماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس أميركا .
مثّلت العراق في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1965 .
آثارها : لها من الشعر المجموعات الشعرية التالية :
& عاشقة الليل صدر عام 1947.
& شظايا ورماد صدر عام 1949 .
& قرارة الموجة صدر عام 1957 .
& شجرة القمر صدر عام 1965 .
& مأساة الحياة وأغنية للإنسان صدر عام 1977 .
& للصلاة والثورة صدر عام 1978 .
& يغير ألوانه البحر طبع عدة مرات .
& الأعمال الكاملة - مجلدان - ( عدة طبعات ) .
ولها من الكتب :
& قضايا الشعر المعاصر .
& التجزيئية في المجتمع العربي .
& الصومعة والشرفة الحمراء .
& سيكولوجية الشعر .
كتبت عنها دراسات عديدة ورسائل جامعية متعددة في الكثير من الجامعات العربية والغربية .
&نشرت ديوانها الأول " عاشقة الليل " في عام 1947 ، وكانت تسود قصائده مسحة من الحزن العميق فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم ، ولا نسمع إلا أنيناً وبكاءً ، وأحياناً تفجعاً وعويلاً " وهذا القول لمارون عبود .
ثم نشرت ديوانها الثاني شظايا ورماد في عام 1949 ، وثارت حوله ضجة عارمة حسب قولها في قضايا الشعر المعاصر ، وتنافست بعد ذلك مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر ، وادعى كل منهما انه اسبق من صاحبه ، وانه أول من كتب الشعر الحر ونجد نازك تقول في كتابها قضايا الشعر المعاصر " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت ، بسبب تطرف الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً ، وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " وهي من الوزن المتدارك ( الخبب) . ويبدو أنها كانت متحمسة في قرارها هذا ثم لم تلبث أن استدركت بعض ما وقعت فيه من أخطاء في مقدمة الطبعة الخامسة من كتابها المذكور فقالت :عام 1962 صدر كتابي هذا ، وفيه حكمتُ أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 سنة نظمي لقصيدة (الكوليرا) ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 ، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها "
الكوليرا - لنازك الملائكة
سكَنَ الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كلِّ فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزَّقَـهُ الموت
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
* * *
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى , موتَى , لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
* * *
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداء
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
* * *
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مَزَّقَـهُ ما فعلَ الموتْ
ــــــــــــــــــــــــــــــ
9 ـ نزار قباني
نزار قباني نزار توفيق القباني (21 مارس/آذار 1923 - 30 ابريل/نيسان 1998)، يوصف بأنه من رواد الشعر الحديث في العالم العربي ، وينتمي لتيار الإلحاد والزندقة ، حيث يجاهر في كثير من كتاباته بسوء أدبه مع خالقه عز وجل .
كانت أسرة نزار قباني (آقبيق) ذات أصل تركي عريق (1)، عمل أبوه في صناعة الحلويات و كان يساعد المقاومين في نضالهم ضد الفرنسيين – في عهد الانتداب الفرنسي لسوريا. عمه - أبو خليل القباني - هو من أوائل المبدعين في فن المسرح العربي.
كان لانتحار أخته بسبب رفضها الزواج من رجل لا تحبه، أثر عميق في نفسه و شعره، فعرض قضية المرأة و العالم العربي في العديد من قصائده، رافضا شوفينية الرجال.
نقلت هزيمة 1967 شعر نزار قباني نقلة نوعية : من شعر الحب إلى شعر السياسة والرفض والمقاومة ؛ فكانت قصيدته " هوامش على دفتر النكسة " 1967 التي كانت نقدا ذاتيا جارحا للتقصير العربي ، مما آثار عليه غضب اليمين واليسار معا.
جمع في شعره كُلاّ من البساطة و البلاغة اللّتان تميزان الشعر الحديث، و أبدع في كتابة الشعر الوطني و الغزلي. غنى العديد من الفنانين أشعاره، أبرزهم أم كلثوم عبد الحليم حافظ و نجاة الصغيرة و فيروز و كاظم الساهر و محمد عبد الوهاب، و اكتسب محبة واسعة بين القراء في العالم العربي.
كان يتقن اللغة الإنجليزية ، خاصة وأنه تعلّم تلك اللغة على أصولها ، عندما عمل سفيراً لسوريا في لندن بين عامي 1952- 1955.
قصته مع الشعر
بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة ، وأصدر أول دواوينه " قالت لي السمراء " عام 1944 وكان طالبا بكلية الحقوق ، وطبعه على نفقته الخاصة . له عدد كبير من دواوين الشعر ، تصل إلى 35 ديواناً ، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن أهمها " طفولة نهد ، الرسم بالكلمات ، قصائد ، سامبا ، أنت لي " . لنزار عدد كبير من الكتب النثرية أهمها : " قصتي مع الشعر ، ما هو الشعر ، 100 رسالة حب " . ويعتبر قصتي مع الشعر السيرة الذاتية لنزار قباني .. حيث كان رافضا مطلق الرفض ان تكت سيرته على يد احد سواه ! وقد طبعت جميع دواوين نزار قباني ضمن مجلدات تحمل اسم ( المجموعة الكاملة لنزار قباني ).
الدراسة و العمل
نال نزار القباني شهادة البكالوريا من الكلية العلمية الوطنية في دمشق، و تخرج في العام 1945 من كلية الحقوق في الجامعة السورية. عمل بعد تخرجه كدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية كسفير في عدة مدن منها بيروت، القاهرة، مدريد، و لندن. و في العام 1959 بعد اتمام الوحدة بين مصر و سوريا، عُين سكرتيراً ثانياً للجمهورية المتحدة في سفارتها بالصين. بقي في الحقل الدبلوماسي إلى ان قدم استقالته في العام 1966.
أسس دار نشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني "
العائلة
تزوج نزار مرتين في حياته. الأولى من ابنة عمه "زهراء آقبيق" و لديه منها هدباء، توفيق. توفي توفيق عن عمر 17 عاماً بنوبة قلبية و هو طالب في كلية الطب في القاهرة. فرثاه بقصيدة شهيرة عنوانها "الأمير الخرافي توفيق قباني"، و أوصى ان يدفن إلى جانبه بعد موته. وأما ابنته هدباء فهي متزوجة الآن من طبيب في إحدى بلدان الخليج .
أما زواجه الثاني فكان من العراقية بلقيس التي لاقت حتفها في انفجار السفارة العراقية في بيروت أثناء الحرب اللبنانية في العام 1982، ما ترك في نفسه اثرا سيئاً فرثاها بقصيدة "بلقيس" الشهيرة التي حمّل فيها العالم العربي كله مسؤوليّة موتها. و له منها عمر و زينب.
بعد وفاة بلقيس رفض الزواج مجدداً، و أمضى سنينه الأخيرة في لندن وحيداً. وافته المنية يوم 30 ابريل/نيسان 1998 في لندن عن عمر 75 عاماً، بعدما أصيب بنوبة قلبية.
من قصائده
* إلى صاحبة السمو.. حبيبتي سابقا* إلى تلميذة * بلقيس* أحبك.. أحبك.. والبقية تأتي * ألا تجلسين قليلاً * أشهد أن لا امرأة إلا أنت . * أحبك في عصر لا يعرف ما هو الحب * أمية الشفتين* متى يعلنون وفاة العرب (1994) * خبز و حشيش و قمر (1956)* قصائد متوحشة (1970)* الكبريت في يدي (1989) * قصائد حب عربية (1993)* قارئة الفنجان * مختارات لنزار قباني