أثرتَ بنا مِنَ الشَّوقِ القديمِ * * * وذِكرَى ذلكَ العيشِ الرَّخيمِ
وأيّامٍ كَسَوناها جَمَالاً* * * وأرقَصنا لها فَلَكَ النَّعيمِ
مَلأناها بنا حُسناً فكانت * * * بجِيدٍ الدَّهرِ كالعِقِدِ النَّظِيمِ
وفِتيانٍ مَساميحٍ عليهم * * * جلابيبٌ منَ الذَّوقِ السَّليمِ
لهمْ شيمٌ ألذُّ من الأمانِي * * * وأطربُ منْ معاطاة ِ النَّديمِ
كهمِّكَ في الخَلاعَة ِوالتَّصابِي* * * وإنْ كانوا على خُلُقٍ عَظيمِ
ودعوتهم إلى أنسٍ فوافَوا * * * موافاة َ الكريمِ إلَى الكريمِ
وَجَاءُوا كَالْقَطا وَرَدَتْ نَميراً* * * عَلى ظمَإٍ وهَبُّوا كالنَّسِيمِ
وكانَ اللَّيْلُ يمرحُ في شبابٍ * * * ويَلهُو بالمَجَرَّة ِ والنُّجُومِ
فواصَلنا كُؤوسَ الرّاحِ حتى* * * بَدَتْ للعينِ أنوارُ الصَّريمِ
وأعملنَا بهَا رأيَابنِ هاني* * * فألحِقْنا بأصحابِ الرَّقيمِ
وظَبْيٍ مِنْ بنِي مِصْرٍ غَرِيرٍ* * * شَهِيَّ اللَّفظِ ذي خَدٍّ مَشيمِ
ولّحْظٍ بابليٍّ ذِي انكسارِ* * * كأنَّ بطرفهِ سيما اليتيمِ
سقانَا في مُنادَمَة ٍ حديثاً * * * نَسِينَا عِنْده بِنْتَ الكُرُومِ
سَلامُ اللهِ يا عَهدَ التَّصابي * * * عليكَ وفِتيَة ِ العَهدِ القَديمِ
أحِنُّ لهم ودُونَهُمُ فَلاة ٌ * * * كأنَّ فَسِيحَها صَدرُ الحَليمِ
كأنَ أديمَهَا أحشاءُ صَبٍّ * * * قدْ التهبتْ مِنَ الوجْدِ الأليمِ
كَأنَّ سَرَابَها إِذْ لاَحَ فِيها * * * خِداعٌ لاحَ في وجهِ اللَّئيمِ
تَضِلُّ بليلهِا لِهْبٌ فتَحْكِي * * * بوادي التِّيهِ أقوامَ الكَليمِ
وتَمشي السّافياتُ بها حَيارَى * * * إذا نُقِلَ الههجيرُ عن الجحيمِ
فمَن لي أنْ أرى تلك المَغاني * * * ومافيها من الحُسنِ القَديمِ
فما حَظُّ ابنِ داوُدٍ كحَظِّي * * * ولاَ أُوتيتُ مِنْ عِلْمِ العليمِ
ولا أنا مُطلَقٌ كالفِكرِ أسري* * * فاستَبِقُ الضَّواحِكَ في الغُيُومِ
ولكنّي مُقَيَّدَة ٌ رِحَالِي * * * بقَيدِ العُدمِ في وادي الهُمومِ
نَزَحتُ عن الدّيارِ أرُوَّمُ رِزقي * * * وأضرِبُ في المهامِة ِ والتُّخُومِ
وما غادَرتُ في السُودان قَفراً* * * ولم أصبُغ بتُربَتِه أديمي
وهأَنا بين أنيابِ المَنايا * * * وتحت بَراثِنِ الخَطبِ الجَسيمِ
ولولاَ سَوْرَة ٌ للمجدِ عِندي* * * قَنِعْتُ بعيشتِي قَنَعَ الظَّليمِ
أيابْنَ الأكرَمين أباً وجَدّاً* * * ويا بنَ عُضادَة ِ الدِّنِ القَويمِ
أقامَ لدِيننَا أَهلُوكَ رُكْناً* * * له نَسَبٌ إلى رُكنِ الحَطيمِ
فما طافَ العُفاة ُ به وعادُوا * * * بغيرِ العسجدية ِ واللطِيمِ
أتَيْتُكَ والخُطُوبُ تُزِفُّ رَحلِي* * * ولي حالٌ أرقُّ مِنَ السَّديمِ
وقدْ أصْبَحْتُ مِنْ سَعْيِ وكَدحِي* * * على الأرزاقِ كالثَّوبِ الرَّديمِ
فلاَ تُخْلقْ-فُدِيتَ-أديمَ وجَهِي * * * ولا تَقطَعْ مُواصَلَة َ الحَميمِ
قصيدة: حافظ إبراهيم