قصيده فديتك من جانٍ تجور وتعتبُ
فديتك من جانٍ تجور وتعتبُ**** ونبذلُ جهداً في رضاكَ وتغضُبُ
ترى كل شيءٍ حبّةُ قلبه**** فتحلو لك العُتبى ويحلو التجنُّب
أما بين أيدٍ ضارعاتٍ مُشفَّعٌ**** وبين دُمُوعٍ سائِلاتٍ مُقَرَّبُ
عَهِدناك صباً بالوفاء فما لنا**** نرى ماءَ ذاكَ العهدِ قد صارَ يَنضُبُ
قسوتَ وما عهدي بقلبك صخرةٌ**** فجوهرُكُ السيَّالُ بالرفق أنسَبُ
فرحماكَ نهرَ النيلِ بالأَنفسِ التي**** إذا لم تدارَكها بِرُحمَاكَ تعطَبُ
ورفقاً بهيمٍ ضامراتٍ بُطُونُها**** لها الجوعُ عُشبٌ والخصاصَةُ مَشربُ
يَبيتُ حزيناً رَبُّها لِمُصابِها**** فيَطوى كما تَطوى الليالي ويَندُب
لقد عاش هذا القفر دهراً حظيرةً**** من الخِصبِ في ألوانها تتقلبُ
بها ما يشاءُ الطرفُ من حسنِ منظرٍ**** أنيقٍ وما تهوى القلوبُ وترغبُ
فما زالَ سهمٌ للرزايا يصيبُها**** وسهمُ الرزايا في الورى لا يخيبُ
إلى أن غدت قفراً فلا غصن ناضرٌ**** يلوحُ بمغناها ولا روضَ مُخصِبُ
وكان البنانُ الرطبُ يحسدُ لينَها**** فأضحت كصُمِّ الصخرُ أو هي أصلَبُ
فَمُدَّ يداً بيضاءَ مِنك تُنيلُها**** مِنَ الخير ما تَرجو وما تَتَطلَّب
وليس لنا إلا الدموع وسيلةٌ**** إليك فإن الشبه بالشبه يُجذَبُ
وقد كانَ في فَيض المدامِعِ ناقِعٌ**** لِغُلَّتِنا لو كانَ مِثلُك يَعذِبُ
فقدنَاكَ فُقدانَ الرضيعِ لأُمِّه**** ولَم يَبقَ مَن يحنُو عليه ويَحدَبُ
فما كنت إلا الروح فارق جسمه**** فأني له من بعد في العيش مَأرب
لئن كان قد أقصاكَ قلةُ شكرِنا**** لنعماكَ والهِجرانُ نعمَ المؤَدِّبُ
فها يدُنا أن لا نعودَ رهينةَ**** وأن لا نزالَ الدهرَ بالشكر نَدأَبُ
لعلكَ خِلتَ الأَرضَ يَبلغ رِيَّها**** دماءٌ بأَصقاعِ الجنوبِ تَصبَّبُ
أجل غيرَ أنَّ الحر تكبر نفسه**** عن الأمر فيه ما يُهين ويثلبُ
فمن ذا الذي يرضى الحياةَ يشوبُها**** من الجَورِ عيشٌ بالدِّماءِ مُخَضَّبُ
أما في قلوبِ الناسِ للناس رحمةٌ**** وتُرضِعهم أُمٌ ويجمَعُهم أَبُ
قصيدة : مصطفى لطفي المنفلوطي