2
نصيب المسلمين من العولمة
مسألة: إن نصيب المسلمين من العولمة الغربية إذا لم ينتبهوا ولم يتداركوا الأمر بالرجوع إلى القوانين الإسلامية المنسية، هو الغزو الاستعماري بنسبة أو بأخرى في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وما أشبه، وقد ذكر «بول اشميد» وهو عالم ألماني، في كتاب له كتبه قبل نصف قرن تقريباً يحذّر فيه الغربيين من المسلمين، ويحرّضهم على إشعال الحروب الصليبية وإعادتها ضدّهم، ويعلّل ذلك بأن المسلمين سوف يتغلبون عليهم لولا تدارك الأمر، وذلك لنقاط القوة الموجودة عند المسلمين، ثم يلخصها في أربع نقاط كالتالي:
1: قوة اقتصادهم، للثروات الطبيعية والمعدنية التي يمتلكونها.
2: كثرة نسلهم، وازدياد عددهم، حيث إنهم يعملون بما أوصاهم نبيّهم (صلى الله عليه وآله) بقوله: «تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإنّي اُباهي بكم الاُمم يوم القيامة ولو بالسقط»[1].
3: موقعهم الجغرافي المهم، فإن منطقتهم منطقة حساسة، تتربع على الوسط الرابط بين طرفي العالم، وتشرف على المياه الدافئة، وما إلى ذلك.
4: وثّابية دينهم، وانتشاره السريع، واستقطابه للجماهير، وذلك بسبب ما يحمله من سهولة ومرونة، وانفتاح وحرية، ومنطق وعقلانية، وجد واجتهاد، وحركة واستمرار، إنه يدعوهم للنشاط الدائم، والابداع المستمر، والابتكار المتطور.
نعم إن الإسلام يؤكد على التنافس في الخير والتقدم، قال تعالى: ((سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها كعرض السماء والأرض)) [2].
وقال سبحانه: ((وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين)) [3].
وقال تعالى: ((فاستبقوا الخيرات)) [4].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من استوى يوماه فهو مغبون»[5].
مضافاً إلى روايات المحاسبة التي تحث على عمل الخير والتقدم الأكثر يوماً بعد يوم، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن النهار إذا جاء قال يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربك يوم القيامة فإني لم آتك فيما مضى ولا آتيك فيما بقي فإذا جاء الليل قال مثل ذلك»[6].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «المغبون من غبن عمره ساعةً بعد ساعة»[7].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة»[8].
وعن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسناً استزاد الله وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه»[9].
وعن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: «ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعاراً والحزن لك دثاراً ابن آدم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل فأعد جواباً»[10].
وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم»[11].
وعن أبي ذر في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض، لا تخفى منك على الله خافية، إلى أن قال: يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه، أمن حل أم من حرام، يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عزوجل من أين أدخله النار»[12].
وقال الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت، فقال رجل: يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه؟ قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال يا نفسي إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداً والله يسألك عنه بما أفنيته، فما الذي عملت فيه، أ ذكرت الله، أم حمدته، أ قضيت حوائج مؤمن فيه أنفست عنه كربه، أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده، أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه، أكففت عن غيبة أخ مؤمن، أعنت مسلماً ما الذي صنعت فيه، فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبره على توفيقه، وإن ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله وعزم على ترك معاودته»[13].
وهذا كله مما جعل المسلمين الأولين يقفزون إلى الامام قفزات كبيرة و سريعة، وينشرون الإسلام في أقصى نقاط الارض، وأبعد مناطق المعمورة، وذلك كما هو مذكور في التاريخ.
ثم إن الغربيين ومنذ اتفاقية وعد بلفور في سنة ألف وثلاثمائة وستين هجرية تقريباً، وبعد مئات الاتفاقيات، بَنَوْا على استعمار البلاد الاسلامية واستثمار المسلمين، أي: اتفقوا على مبدأ السيطرة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاعلامية لبلاد الاسلام والشعوب المسلمة، وهذا ما حصل فعلاً وذلك للاطماع الاستعمارية في تلك الجهة، وقبول الاستعمار في هذه الجهة لقلة الوعي والابتعاد عن القوانين الإسلامية وعدم أهلية الحكام.
نعم، إن الغربيين بصورة عامة والأمريكان بصورة خاصة يسعون في فرض هيمنتهم وتقليص الشخصية غير الغربية وغير الامريكية وتحجيم دورها، وخاصة الشخصية الإسلامية في مجتمع العولمة الجديدة، ولكن مع كل ذلك فإن للعولمة الإسلامية المطابقة مع الفطرة الإنسانية كل أسباب النمو والتقدم والإزدهار، فعلينا نحن المسلمين السعي لتعريف العالم بها.
البلدان الإسلامية والعولمة الاقتصادية
مسألة: إن النظام الاقتصادي العالمي، المعبّر عنه بالعولمة الاقتصادية، يشكل تأثيراً كبيراً على البلدان الإسلامية واقتصادياتها، إذ وراء هذه العولمة خبراء اقتصاديون وحكام سياسيون لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية ومنافعهم الفردية، وهذا ينذر الإنسانية كلها وليس المسلمين فحسب بالشر والخطر.
وعليه: فالعالم الإسلامي مهدد كله بأخطار العولمة الاقتصادية، ولكنه في نفس الوقت نراه يعيش حياة التناحر والتآكل، والترهل والتهميش، فاقداً لأي موقف صحيح وهادف للدفاع أو للهجوم.
إن محاولات الضغط والكبت، والاستضعاف والاستثمار التي تحاك ضد البلدان الإسلامية إنما هي من أجل زلزلة أمنها، وزعزعة استقرارها، وتعطيل مؤهلاتها، وسحق كفاءاتها، كي يُلجئوها إلى الدخول في تيار العولمة الغربية بأضرارها، وبالسباحة القهرية وفقها، والانتماء إلى التدويل الشامل للاقتصاد، أو العولمة الاقتصادية بعبارة أخرى.
أثر العولمة على البلدان الإسلامية
إنّ الكلام الساخن حول ظاهرة العولمة وحول أثرها الاقتصادي على البلدان الإسلامية لا يزال قائماً بين ثلاثة آراء فكرية أو أكثر:
1: الرأي القائل بتحبيذ العولمة وتحسينها على وجه العموم، ويستدلون له بأنهم سيستفيدون من التقدم التقني، والتطور الصناعي المتسارع، والتكامل الاقتصادي العالمي، ويأملون باستصلاح حال الناس اقتصادياً، وحصول ملايين البشر على حياة فضلى، مع إذعانهم بأن العولمة هذه تستلزم خسارة البلدان الإسلامية لبعض الشيء من سيادتها على اقتصادها وتوجيهه كما تريد وكيف تشاء.
هذا ولا يخفى إن المدافع عن هذا الرأي هم: قسم من رجال الأعمال، وأمريكا، والمؤسسات الثلاث للعولمة: الصندوق والبنك الدوليين والمنظمة العالمية للتجارة.
2: الرأي القائل بواقعية العولمة وموضوعيتها، وإنها نتيجة طبيعية للتطور العلمي والتقني، وقوى الإنتاج الرأسمالي، إنها تؤدي على التقارب بين مختلف الاقتصادات، إنهم يرون للعولمة هذه المحسنات، ويرون إلى جانبها مساوئ أيضاً، من أهمها هو: أن الذي يحصل على منافعها قليل من الدول التي لا يتجاوز عدد سكانها 20% من إجمالي سكان العالم، بينما أضرارها تمس أغلب البلدان النامية، وتسبب زيادة مشاكلها الاقتصادية، وتقضي على التنمية فيها.
ثم إن المدافع عن هذا الرأي هم: قسم من القوى اليسارية، وهواة الاشتراكية المقيمين في البلاد الرأسمالية، وبعض أصحاب الفكر القاطنين في بلاد العالم الثالث.
3: الرأي القائل بشرارة العولمة ومضارها، وإنها من تبعات النظام الرأسمالي العالمي، لأنها تقصد تعويض اقتصادات الدول الرأسمالية عن تقلّص أسواقها الداخلية، بنقل أكثر عمليات الإنتاج ـ وخاصة الصناعات المنحطّة والمضرة للبيئة والناس ـ إلى البلدان النامية، مع إمسا قيادة الإنتاج في العالم بيدها.
وعليه فالرأسمالية تريد حلّ مشاكلها الاقتصادية عن طريق عولمة الاقتصاد، بمعنى: أنها تريد تصدير مشكلاتها الاقتصادية إلى بلدان العالم الثالث، لتتخلص هي منها، وتلقي بثقلها عليهم وإن أدى ذلك إلى خلق مجتمع طبقي بغيض فيهم.
ولا يخفى: إن المدافع عن هذا الرأي هم: القسم الأعظم من أصحاب القوى السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، في البلدان النامية، المطلعة على ما يعانيه الناس من ويلات النظام الطبقي غير العادل، المؤدي الى الفقر والحرمان، والجهل والأمية، والمرض والتبعية، والسلب والنهب لثروات بلدان العالم الثالث عن طريق الشركات متعددة الجنسيات، وبواسطة التبادل التجاري غير المتكافئ وغير العادل.
موقفنا تجاه العولمة
مسألة: من المهم أن نعرف نحن المسلمين مخاطر العولمة الحديثة وأضرار سيطرة أمريكا وغيرها من الدول الغربية على العولمة الجديدة، فإن هذه العولمة لا تفكّر إلاّ في نفسها، ولا تبصر الأمور إلاّ بالمنظار المادي البحت، وتخطط للقضاء على الإسلام والمسلمين، لأنها تراهما يدعوان إلى عولمة صحيحة، لاتبتني على الهيمنة والاستثمار، والاستبداد والاستضعاف، وإنما تبتني إلى جانب النمو والازدهار على المُثل والقيَم، وعلى العدل والقسط، وعلى الرحمة والرأفة، وعلى التعاون والتوادد، وعلى التباذل والتواصل.
علماً بأن البقاء إنما يكون للذي بنى أساسه على العدل والقسط، والعاقبة إنما تكون للذي رصّ بنيانه على قواعد الفطرة والعقلانية، بينما الذي أسس بنيانه على خلاف ذلك، كان مصيره الزوال والسقوط، كما سقط النظام الشيوعي، وبادت الاشتراكية وزالت إلى غير رجعة.
ولكن مع ذلك فإن الدنيا دار أسباب ومسببات وكانت وستكون للعاملين فيها وقد قال الله سبحانه: ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)) [14].
وقال عزوجل: ((كلا نمد هؤلاء وهؤلاء)) [15].
وعليه: فإن كان المسلمون هم العاملون ـ عملاً مرضياً لله ورسوله، ومطابقاً للقرآن والإسلام ومؤطراً بإطار العصر ومتطلبات الحياة الجديدة ـ انتصر الإسلام وساد الدنيا، وعم الجميع رحمته وعدله.
وإن كان العاملون هم الغربيون، وهم اليوم كذلك، أي: على خلاف المسلمين المتقاعسين عن العمل، انتصر الغرب وسادوا الدنيا، وعمّ الجميع أضرارهم وظلمهم، كما هو اليوم حال الدنيا وحال أهلها، ففي كل نقطة من نقاط الدنيا وخاصة في بلدان العالم الثالث حرب ودمار، وجوع وفقر، ومرض وحرمان، وظلم واستبداد، وإلى آخر ما في قائمة الشقاء من ألفاظ وكلمات.
وهذه هي أيضاً سنّة الله تعالى في الحياة، حيث جعل الدنيا للعاملين، سواء كانوا من أهل الحق كالمسلمين، أو من أهل الباطل كالمستعمرين.
كما إن سنة الله تعالى هذه قد جعلها سبحانه في الدنيا للاختبار والامتحان، حيث إن الدنيا دار اختبار واختيار، وللإنسان أن يختار الحقّ أو الباطل، وأن يعمل أو يتقاعس عن العمل، وأن يكون مخلصاً في عمله أو مرائياً، وأن يجدّ في عمله أو يتماهل، فحيث إن الدنيا دار اختبار واختيار، يمدّ الله تعالى كلا الفريقين: أهل الحق، وأهل الباطل، بالأسباب والوسائل، وبالحول والطَول، كما قال تعالى: ((كلاً نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك)) [16]. وذلك ليُري الله تعالى الناس أنفسهم المخلص منهم من المرائي، والمحق من المبطل، وليوقفهم على مدى قدر أنفسهم، ويعرّفهم مبلغ استحقاقهم من الأجر والثواب أو العذاب والعقاب، حتى لا يقول أحد يوم القيامة: ليس هذا هو ما استحقّه من الثواب والجنة، أو من العقاب والنار.
نعم هذه هي سنّة من سنن الله تعالى في الحياة، وقدره وقضاؤه، ولكن هناك سنة أخرى وهو الوعد بالفتح والنصر المطلق للمسلمين المؤمنين وذلك في زمن ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فعند ذلك سيأتي الله بالفتح، وينصر الحقّ وأهله، ويدحض الباطل وأهله، وينقذ الناس من الشقاء والعذاب، ومن الجهل والفقر، ويذيقهم رغد العيش، وسعادة الحياة، وحلاوة الأمن والاستقرار، وذلك كما أخبر تعالى في كتابه الكريم حيث قال: ((ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)) [17].
وكما قال سبحانه: ((وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً)) [18].
وكما قال عزّوجلّ: ((قل جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد)) [19].
وعسى أن يكون ذلك اليوم قريبا إن شاء الله، فتعم العولمة الصحيحة تحت ظل الإسلام الحكيم كل بقاع الأرض، وتنشر رحمتها على كل الأنام، وتقضي على العولمة المعاصرة الظالمة.
مجابهة العولمة الاقتصادية الغربية
مسألة: إن الله تعالى جعل المسلمين أمة واحدة بقوله سبحانه: ((إن هذه أمتكم أمة واحدة)) [20]، وجعل لها حضارة عريقة، وأسلوباً جديداً في الأمور الحيوية، ومنهجاً حديثاً في الشؤون الاقتصادية حيث قال تعالى: ((فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون)) [21] ورزقهم رغبة ملحّة في بناء مستقبل أجيالهم.
وعليه: فلابدّ لنا نحن المسلمين أن نترك السياسات الاقتصادية القطرية الضيقة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، إلى سياسة التكتل الاقتصادي الاسلامي الضخم، لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة، ولابد من اغتنام الفرصة وانتهازها للدخول في النظام العالمي الجديد: العولمة، وتحديها بوضع أسس التعاون الاقتصادي الإسلامي، وإراءة نظام اقتصادي كامل وشامل، يجمع بين النمو والإزدهار، والعدل والأخلاق.
وهنا لابد من الإشارة إلى بعض الإجراءات التي بواسطتها يمكن مواجهة العولمة الغربية، وصد أمواج فسادها ودمارها.
الإجراء الأول:
مسألة: يلزم طرح أصول الاقتصاد الإسلامي المستنبط من القرآن الكريم والسنة الشريفة، من مثل قوله تعالى: ((هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً)) [22].
ومثل قوله سبحانه: ((وأحل الله البيع وحرم الربا)) [23].
ومثل قوله عزوجل: ((ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)) [24].
ومثل قوله تعالى: ((والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم)) [25].
ومثل قوله سبحانه: ((وأقرضوا الله قرضاً حسنا)) [26].
ومثل قول النبي (صلى الله عليه وآله): «الناس مسلطون على أموالهم»[27].
ومثل قوله (صلى الله عليه وآله): «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه»[28].
ومثل قوله (صلى الله عليه وآله): «الأرض لله ولمن عمرها»[29].
ومثل قوله (صلى الله عليه وآله): « من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحق به»[30].
ومثل قوله (صلى الله عليه وآله): «من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه[31]، ومن ترك ديناً فعليّ دينه»[32]. إلى غيرها من الآيات والروايات الشريفة.
ثم دعوة اقتصادي العالم إلى مدارسته ومذاكرته وإراءة أفضل الطرق إلى تطبيقه وتنفيذه، فإن الاقتصاد الإسلامي قد أثبت جدارته في إنقاذ البشر من الفقر، وإرغاد العيش للجميع، وهو اليوم قادر على تحقيق أمنيات الناس في الحياة من كل الجهات المادية بل وحتى المعنوية أيضاً، وذلك لأنه قانون السماء الذي جاء به الوحي لإنقاذ أهل الأرض من الفقر والحرمان.
الإجراء الثاني:
مسألة: يلزم العمل لإيجاد مركز إسلامي اقتصادي عالمي، يقوم بتقييم السبل التطبيقية، واقتراح السياسات الاقتصادية الإسلامية، ويسعى لتحجيم وتحديد الاختلافات الموجودة بينها، وهذا بحاجة إلى جمعية استشارية تضم خبراء الاقتصاد الإسلاميين للتفكير في الأساليب والسياسات الاقتصادية الإسلامية في ظل المتغيرات الدولية والعالمية.
الإجراء الثالث:
مسألة: يلزم العمل لتعديل السياسات النقدية والمالية، والصادرات والواردات في التجارة الخارجية التي تخالف القوانين الإسلامية، فيجب توفيقها مع الاقتصاد الإسلامي القويم.
الإجراء الرابع:
مسألة: يلزم دعم ما تقدمه البلدان الإسلامية من الإصلاحات الاقتصادية في مجال التطبيق، المنطبقة مع الاقتصاد الإسلامي، وذلك تسهيلاً للحضور الفاعل في مجال التكتلات الاقتصادية العالمية.
الإجراء الخامس:
مسألة: يلزم العمل على قيام سوق إسلامية لرأس المال وحركته على مستوى البلدان الإسلامية، ووضع إطار تطبيقي يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية للاقتصاد.
الإجراء السادس:
مسألة: يلزم العمل على ارتقاء القدرات البشرية، والإمكانات التقنية، وذلك على مستوى البلدان الإسلامية.
الإجراء السابع:
مسألة: يلزم العمل لتحرير المبادلات التجارية من كل القيود والمضايقات، مثل: انتقال عناصر الإنتاج، والمنتجات وقوة العمل، والأشخاص، ورأس المال المؤطر بإطار الاقتصاد الإسلامي فيما بين البلدان الإسلامية، فلا جمارك
ولا ضرائب بين البلاد الإسلامية، مضافاً إلى حرية الملكية الشخصية في إطارها الإسلامي الصحيح، وحرية الإرث بلا فرض الضرائب عليه.
الإجراء الثامن:
مسألة: يلزم العمل على استشراف آفاق المستقبل، ورسم صورة مستقبلية لموقع البلدان الإسلامية في المحيط الاقتصادي الإقليمي والدولي، وتحديد مفهوم معيّن للأمن الإسلامي، وتصوير إمكان قيام السوق الإسلامية المشتركة، وما يرتبط بها من الحرية الاقتصادية، والمنافسة، والحماية، والدعم.
الإجراء التاسع:
مسألة: يلزم العمل من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في البلدان الإسلامية، ووضع أسس لبناء القدرة التنافسية علماً بأن التنافس التجاري والصناعي يعد من أهم عناصر التنمية الشاملة في البلدان الإسلامية.
الإجراء العاشر:
مسألة: يلزم السعي للاستفادة من التجارب الاقتصادية العالمية في مجابهة العولمة كالتجربة الصينية وغيرها.
أجل إن في التجربة الصينية وتعاملها مع العولمة الغربية درساً هاماً، وعبرة بليغة لجميع الدول النامية بصورة عامة، والأقطار الإسلامية بصورة خاصة، فإن الصين تمكنت من ممارسة عملية التنمية بجناحيها: الاقتصادي والاجتماعي، معتمدة على إمكاناتها الداخلية وطاقاتها الذاتية بالدرجة الأولى، ومحاولة إصلاح اقتصادها الاشتراكي إصلاحاً جذرياً، ومتعاملة مع العولمة بعقل مفتوح ومن موقع قوة الاقتصاد الصيني، فأضحت بذلك ذات سوق متحركة، وفي نفس الوقت قادرة على أن تجذب الاستثمارات الخارجية الخاصة والعامة إليها، حتى أصبحت تنافس الاقتصاد الغربي في كثير من الموارد.
نعم، إن المستقبل هو للتكتلات الاقتصادية والجمعيات الاستثمارية العظمى، فإن الدنيا تخطو خطوات كبيرة نحو عالم التقنية والمعلوماتية، ونحو الشركات الكبرى والمعامل الأم، ونحو عالم الإدارة المحنكة والقرار النافذ، ومن هذا المنطلق ينبغي للبلدان الإسلامية أن تخطو خطوات سريعة وحاسمة، كبيرة وجبارة، لتحقيق هدف التكامل في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، وإراءة صورة الوحدة الاقتصادية الإسلامية، التي بدونها لن يقدر المسلمون على إقامة اقتصاد ناجح ومتين، يتحدى الآخرين على البقاء والمنافسة في عالم الاقتصاد المعاصر، ودنيا المبادلات التجارية الناشطة.
الحكام من وراء ضعف المسلمين
مسألة: إن العولمة الإسلامية رغم توفرها على كل مستلزمات العولمة الصحيحة، واشتمالها على الكفاءات الذاتية، حيث إنها تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق، وهي الأمور المقومة للعولمة الصحيحة، والتي لم تتوفر في العولمة الغربية وغيرها، إلا أنها لسوء تصرف الحكام المتطفلين على الإسلام، وسوء تعامل الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية المتسلطة على المسلمين بلا شرعية، بقيت العولمة الإسلامية مقصورة على البلاد الإسلامية، ومحصورة بين جوانحها، بل وضائعة أيضا حتى بين المسلمين أنفسهم، وما ذلك إلا بذنب من الحكام المستبدين، والحكومات الظالمة، التي استلمت مركز القيادة الإسلامية بلا شرعية، ولا تأييد من المسلمين، فجنت على الإسلام بهجر عولمته، وعلى المسلمين بنسيانها واتباع مظاهر العولمة الغربية.
العولمة والتعولم
مسألة: لا يخفى إن المسلمين وعلى اثر الظروف القاسية التي مرّت بهم، واستبداد حكامهم، ودكتاتورية حكوماتهم، وعدم تطبيقهم الإسلام تطبيقاً صحيحاً، حيث اكتفى بعضهم من الإسلام بإجراء حدوده وقوانينه الجزائية فقط وذلك من دون مراعاة الشروط التي يلزم توفرها، مما أدى إلى تشويه سمعة الإسلام، وتمويه حقيقته الناصعة، فتسبّب ابتعاد المسلمين عن واقعهم، ورفع أيديهم عن ظواهرهم الإسلامية، وسرعة تهافتهم على الظواهر المستوردة، شرقية كانت أم غربية، فقد أصبح كثير منهم جراء ذلك لا يحتاجون إلى من يدعوهم إلى التعولم، إذ هم اليوم متعولمون وداخلون في العولمة الحديثة، فترى أسماءهم عبارة عن: محمد وأحمد وحسن وحسين وعلي وزهراء وفاطمة، ولكنّهم يتشبثون بالمظاهر الشرقية أو الغربية في كثير من اُمورهم.
مثلاً: يتبعونهم في الوجبات السريعة المتواجدة على شكل سلسلة مطاعم، وكذلك في الأثاث والأجهزة، وفي الكلام واللغة، وفي السلوك والسيرة، وفي الشكل والصورة، وفي الهندام والمظهر، وفي التزيين والتجميل، وفي الأزياء والألبسة، وفي العلاقات والعشرة، وفي باقي أمورهم وسائر شؤونهم.
إذن: فنحن داخلون في العولمة الغربية بالمفهوم الغربي، في كثير من خصوصياتنا ومزايانا، لا أننا نريد أن نتعولم وندخل في العولمة.
هذا وقد نهى نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) المسلمين عن التشبّه بغير المسلمين كما هو معروف، فكيف بمزاولة كل خصوصيات الحياة عندهم؟
وقد جاء في الحديث: «من تشبّه بقوم عُدّ منهم»[33]، فكيف بمن أصبح مثل قوم في جميع خصوصياتهم؟ فهو جزء منهم، لا أنه محسوب عليهم.
أجل، لقد أصبح الكثير من المسلمين اليوم متعولمين سلبياً بما للكلمة من معنى، يعني: إنهم أضحوا يقلدون الغربيين في سيّئاتهم وسلبياتهم، دون تطورهم وتقنيتهم، إنهم تركوا العلم والعمل، والفن والصنعة التي تقدموا فيها ببركة الإسلام، وأخذوا منهم الميوعة والاستهتار، والمجون والخلاعة، والمسكرات والمخدّرات، والإدمان والفساد، وكل السلبيات والسيّئات التي أفسدت الغرب وأنهكته، وأعجزت الغربيين عن معالجتها وإصلاحها، إذ ليس لها علاج إلا في تعاليم الإسلام، ولا إصلاح إلا باتباع نهج القرآن، وقد ابتعد الناس عن الإسلام والقرآن جهلاً وربما عناداً، ولذلك لا يجدون لأزماتهم حلاً، ولا لفسادهم إصلاحاً، ولا لمرضهم علاجاً.
لقد أخذ المسلمون فساد الغرب، فابتلوا بمرضهم ودائهم، ووقعوا في أزماتهم ومآسيهم، إنهم تركوا تعاليم الرسول (صلى الله عليه وآله) في الزواج المبكّر، وتكوين الأسرة المبكّرة، فابتلوا بالعزوبة، وبويلاتها من أمراض نفسية وجسدية، وفردية واجتماعية.
وقد روى سلمان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): بأن البنت إذا بلغت كانت كالثمرة إذا أينعت، فإذا لم تقتطف الثمرة فسدت، فكذلك البنت إذا لم تزوّج، ثم إنها إذا لم تزوج وارتكبت فاحشة، كتب إثمها على أبيها وكل من كان أمرها بيده
ولم يزوّجها.
وفي حديث آخر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا رأى شاباً سأله عن أمرين: إنّه متزوج أم أعزب، وإنّه ذو شغل أم عاطل؟ فإذا قال: لا شغل لي قال (صلى الله عليه وآله): سقط من عيني[34]، وإذا قال: لا زوجة لي، شدّد معه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمره بأن يتزوج ولا يبقى عزباً [35].
وفي حديث آخر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسأل النساء أيضاً عن أنهنّ متزوجات أم لا؟ وإذا لم تكن إحداهنّ متزوجة سعى (صلى الله عليه وآله) في زواجها.
هذا مضافاً إلى ما جعل الإسلام من الأهمية للمرأة، وما أعطاها من العزّة والكرامة، وما منحها من العناية والشرافة، إنه أعلى شأنها ومقامها، وعرفها بالريحانة، وبالقوارير، وعلى الإنسان مداراة الرياحين والرفق بالقوارير.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن (عليه السلام): «لا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»[36].
و عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً، قال: «يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها»[37].
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «كانت امرأة عند أبي (عليه السلام) تؤذيه فيغفر لها»[38].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتقوا الله في الضعيفين» يعني بذلك اليتيم والنساء[39].
وعن يونس بن عمار قال: زوجني أبو عبد الله (عليه السلام) جاريةً كانت لإسماعيل ابنه، فقال: «أحسن إليها» فقلت: وما الإحسان إليها، فقال: «أشبع بطنها واكس جثتها واغفر ذنبها»[40].
وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوصاني جبرئيل (عليه السلام) بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة»[41].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أ يضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها»[42].
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « عيال الرجل اُسراؤه، وأحبّ العباد إلى الله عزّوجلّ أحسنهم صنعاً إلى اُسرائه»[43].
وقال (صلى الله عليه وآله): « ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي»[44].
وقال (صلى الله عليه وآله): «أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله وأنا ألطفكم بأهلي»[45].
روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «ألا اُخبركم بشرّ رجالكم»؟
فقلنا: بلى.
فقال: «إنّ من شرّ رجالكم البهّات البخيل الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله إلى غيره، العاقّ بوالديه» [46].
بين العولمتين الإسلامية والغربية
مسألة: إن الفرق بين العولمتين أعني: العولمة الإسلامية والعولمة الغربية، هو كالفرق بين الاستقامة والانحراف، إذ في العولمة الغربية يكون الهدف صبّ العالم في منهج غربي خاص به اقتصادا واجتماعا، وسياسة وثقافة، وتربية وسلوكا، إلى آخر هذه القائمة، وذلك لتحصيل الربح المادي الأكثر.
ومن المعلوم: أن كل ذلك الذي يحتويه المنهج الغربي من الفساد والأضرار مخالف للدليل المنطقي والقانون العقلي والفطري، فلا الاقتصاد صحيح،
ولا السياسة صحيحة، ولا السلوك سليم، ولا الثقافة سليمة، ولا الاجتماع مستقيم، ولا التربية مستقيمة، وهكذا.
والدليل على عدم الصحة والاستقامة هو: نسيان جانب الروح، بل تناسيه، مع أن جانب الروح هو الجانب الأهم بالنسبة إلى بقية الجوانب في الإنسان، فإنه على أكثر التقادير للروح نصف الأهمية، وللبدن النصف الآخر، ولكن مع كل ذلك نرى خصوصيات العولمة الحديثة منحصرة في البدن فقط مضافاً إلى انحصاره أيضا لصالح البعض لا الإنسان بما هو إنسان.
نعم إنّ العولمة الغربية المنحصرة في البدن والماديات مخالفة للعقل والعقلانية والفطرة السليمة، فإنهم يجعلون الآثار للشهوات المنحطة، والمُتع الرخيصة، ويتغافلون عن عواقبها الوخيمة، وتبعاتها المدمّرة، التي تجر الويلات على الفرد والمجتمع.
ثمّ إن من الواضح: أن الذي قد أخذ بزمام العولمة في الحال الحاضر هو: الغرب بما فيه أمريكا، واليابان، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى سعي أمريكا الحثيث والجاد لفرض هيمنتها في كل الشؤون على النظام العالمي، ولا يخفى ما في ذلك من المآخذ والمشاكل، والمآسي والويلات.
ثم إن للغرب آليات لهذا الشيء، مثل منظمة التجارة العالمية، وهي تسعى لفرض هذه الآليات على الجميع، كالشركات المتعددة الجنسيات، والحلف الأطلسي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومجلس الأمن، ووسائل الاتصالات والإعلام، والأبحاث الإلكترونية، والأبحاث الكيماوية، وشبكات القنوات الفضائية، وشبكات الانترنيت، وهذا التصرف من دون ملاحظة مصالح الإنسانية غير صحيح كما لا يخفى.
أما العولمة في الإسلام فهي نزعة إنسانية، وطريقة فطرية بشرية، قد أسس أساسها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله تعالى، مع تقويم منه للمنحدرات والإعوجاجات، وقد صرّح القرآن الحكيم بذلك ودعا إليه في آيات متعددة كقوله تعالى: ((وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)) [47].
وقوله سبحانه: ((وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) [48].
وقوله تعالى: ((بشيراً ونذيراً)) [49] حيث أطلق التبشير والإنذار، فكل انحراف وراءه إنذار، وكل استقامة بين يديها بشارة.
وقوله تعالى: ((وما أرسلناك إلاّ كافة للناس)) [50].
ولذا فقد أرسى الإسلام أساس العلم وجعله لخدمة الإنسان، وليس العلم للعلم، أو لخدمة الظلم والعدوان، بينما نشاهد اليوم أنّ العلم صار بعضاً منه للعلم، كما فعل أصحاب النظريات العلمية الجافة والعقيمة، التي لا تمتّ إلى الإنسان ومنافعه بصلة، وبعضاً للتحريف والتدمير كما فعل مخترعو وسائل التجسس والتعذيب، وصانعوا القنبلة الذرّية والنووية والجرثومية وما أشبه
ذلك.
العولمة الإسلامية وأهم مميزاتها
مسألة: العولمة الإسلامية تمتاز بامتيازات هامة على العولمة الغربية وذلك في مختلف الأصعدة، وجميع المجالات النظرية والتطبيقية، والمادية والمعنوية، ولعل أهم ما يميز هذه العولمة ومن جوانب متعددة هو ما يلي:
1: يميز العولمة الإسلامية من حيث الإطار النظري العام: المفهوم الديني أو الوازع الإلهي الذي يهذّب النفوس ويطبع القلوب على محبة الآخرين، وإيصال النفع إليهم، ودفع الضرّ والشرّ عنهم، وذلك لأن الإسلام دين سماوي وليس موضوعاً من الموضوعات البشرية.
2: ويميز العولمة الإسلامية من الناحية التطبيقية، نظراً لما سبق من سوء تصرف الحكام المستبدين والحكومات الظالمة المتطفّلة على الإسلام والمسلمين: المعاناة من ضعف وقصور حادّين، فهو بحاجة إلى مدارسة الأخصائيين من علماء الدين والدنيا لإراءة أفضل الطرق التطبيقية، المؤدية إلى الاستفادة المستقيمة والصحيحة من مواد العولمة الإسلامية، القادرة على إرغاد حياة البشر، وإسعاد بني الإنسان دنياً وآخرة، فإن العولمة الإسلامية هي وحدها من بين الجميع، الجامعة للنمو والإزدهار، والعدل والأخلاق.
3: ويميز العولمة الإسلامية من الجانب المادي والمالي: عدم المراباة، فإن عدم المراباة هو الميزة الجوهرية للاقتصاد الإسلامي، حيث لا يَظلم صاحب رأس المال ولا يُظلم، كما قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) [51].
وهذه الميزة اللاربوية هي من مفاخر وخصائص هذا الاقتصاد السماوي السليم، وبها يتميز ويتفرد وبشكل واضح عن الاقتصاد الرأسمالي وعن الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي البائد، وقد أخذت العديد من البنوك في العالم نظريات البنك اللاربوي في الإسلام، الذي هو واقعاً مصداق البنك التساهمي، والذي لايحيف بزبائنه، بل يتحمل كل منهم كلاً من الربح والخسارة، مع الخضوع لمتغيرات السوق وتقلباته.
4: ويميز العولمة الإسلامية من الجانب المعنوي والأخلاقي: عدم الاحتكار، فإن عدم الاحتكار هو ميزة جوهرية أخرى للاقتصاد الإسلامي، إذ لا زالت السياسة الاقتصادية العالمية الإسلامية من يومها وحتى هذا اليوم خاضعة كلياً لحركة السوق التجارية: من بضائع وأمتعة، وأموال ونقود، ومسكوكات فضية وذهبية، ومواد غذائية وصناعية، وغير ذلك، ويحكمها قانون العرض والطلب، والتسويق والتدويل، ولم يكن للاحتكار تداولاً في الأسواق العالمية الإسلامية.
5: ويميز العولمة الإسلامية أيضاً: حياد الاقتصاد في النظام العالمي في الاقتصاد الإسلامي، فإنه لا يعترف بالسيادة القومية أو السيادة الاقتصادية لدولة على أخرى؟.
6: ويميز العولمة الإسلامية عن غيرها: خضوع النظام الاقتصادي وتأطير العمل التجاري الإسلامي لأحكام الدين وقوانين الشرع الحنيف، وتظهر هذه الميزة وأهميتها في حالات الطوارئ وغيرها، فإن الاقتصاد يكون حينئذ أحد مقومات حكم الجهاد الإسلامي وركائزه الركيزة وهكذا عند بروز حالات المجاعة والزلازل والفيضانات وما أشبه.
وبكلمة واحدة نقول: إن العولمة الاقتصادية الإسلامية قد حملت بين جوانحها كل مقومات السعادة والحضارة، والتقدم والرقي، والإزهار والتطور، ونفي الفقر والحرمان، من الحكومة الشرعية، والاقتصاد الأمين، والقوانين المالية العادلة، والوحدة العالمية بكل أبعادها الحضارية، إلى الآداب الإنسانية الراقية، والقواعد الأخلاقية التقدمية.
وخلاصة القول: إن العولمة الإسلامية حملت الحضارة بكل أبعادها، وجمعت بين النمو والإزدهار، والعدل والأخلاق.
من مشتركات العولمتين
مسألة: إن العولمتين الإسلامية والغربية قد تشتركان ـ إن صح التعبير ـ في بعض من الأسس العلمية، والبنى التحتية، سواء على الصعيد العلمي النظري، أم على الصعيد الخارجي التطبيقي. والتعبير الأدق إن الإيجابيات الموجودة فهي من بركة الإسلام وتعاليمه، فحرية الشركات الضخمة، وحرية التجارة وقوانين العمل، وحرية هجرة الأيدي العاملة، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وحرية المضاربات التجارية، والمواد الأساسية من حقوق الإنسان، كلها أحكام شرعية بيّنها الإسلام وطُبقت في حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
وهذا المشتركات هي جزء من النظام الاقتصادي العالمي والإسلامي، بصورة عامة، وإن كان هناك بعد كبير وبون شاسع في مسألة الجانب الإنساني والمجال الأخلاقي وما أشبه فيما بين النظامين بصورة خاصة.
ويمكن القول: بأن مجتمع شبه الجزيرة، مركز الوحي والإسلام، ونزول الرسالات والقرآن هو من أوائل المجتمعات ذات الخصوصية التجارية العالمية في ذلك اليوم، أو حسب الاصطلاح الحديث ذات الخصوصية الاقتصادية في هذا اليوم، فرحلتا الشتاء والصيف المعروفتين، واللتين تعرض القرآن الكريم لذكرهما[52] أصبحتا الآن من ذكريات تاريخ مجتمع شبه الجزيرة، فقد كانتا في حد ذاتهما تنظيماً اقتصادياً واعياً ودقيقاً، وفق جدول زمني دقيق، بل كانتا حركة ناشطة، ومسيرة حثيثة، وانتفاضة اقتصادية شعبية عارمة، ذات صبغة اقتصادية شاملة، فقد كان جميع التجار صغارهم وكبارهم، يشتركون وبصورة جادة في هاتين الرحلتين المعروفتين وليس كبار التجار فقط، أو المضاربين في السلع والأمتعة، أو المسافرين والسائحين فحسب.
العولمة الإسلامية ضرورة ملحة
مسألة: إن العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام هي ضرورة ملحة، وخاصة في مثل هذا العصر، عصر الارتباطات والمواصلات السريعة.
إن عملية تصدير الثقافة والمعلومات، وتصدير الفن والتقنية، وتصدير المواد الخام والمواد الأولية، لا تختلف عن سائر العمليات التجارية الأخرى، فكل واحد منها له تقنياته وأساليبه، وما كان منها محرّماً فيمكن تنظيم قوانين
لبيان حرمتها حتى تجتنب، أو تعديلها وفق ما هو جائز وحلال، وهكذا وهلّم جرّاً.
وعليه: فمن الممكن بدل أن نقف تجاه العولمة الغربية موقفاً سلبياً مطلقاً، أن نأخذ ببيان الثقافة الإسلامية وقوتها ثم تسريبها إلى هذه العولمة، كما إنّا بحاجة ملحة أيضاً إلى أن ندرس بدقة مقومات هذا النظام الجديد، كي نستطيع تطبيق ما يمكن تطبيقه بالنسبة إلى عالمنا واقتصادنا، وأنفسنا ومجتمعنا، واجتناب ما هو ضار منها ومحرم في شريعتنا.
ومن الواضح إن النظام العالمي الجديد في الاقتصاد، والقوانين التجارية العالمية، والأنظمة المالية، وحركة السوق، وما أشبه ذلك، لم تحدث فجأة واعتباطاً لمجرد رغبات تجار أو شركات، ولم توجد دفعة وعفواً لتلبية نداء رئيس معيّن أو قائد مشخّص، بل جاء هذا النظام العالمي الاقتصادي الجديد نتيجة تحركات تجارية واقتصادية استمرت عقود عديدة ونتيجة عمل متواصل، وحركة دؤوبة، وثورة اقتصادية متنامية، في مختلف المجالات من النظري والعلمي، والخارجي والتطبيقي، والتقني والتجريبي.
ومن المعلوم أيضاً: أن هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد، جاء حصيلة تلاؤم المعادلات الاقتصادية والسياسية، والدولية والعالمية، كما أنه جاء نتيجة تفاعل الحركات الاقتصادية على الساحة الخارجية، السلبية منها والإيجابية أيضاً، علماً بانا لسنا بعيدين كثيراً عن كل تلك الحركات والمعادلات الدولية والعالمية، ابتداءً فيها من عصبة الأمم ومجموعة دول الكومنولث، وانتهاءً بها إلى الأمم المتحدة، هذا في مجال السياسة الدولية، وابتداءً من منظمات الغات والفاو منتهياً إلى منظمة التجارة العالمية، والأوبك والأوابك، وهذا في المجال التجاري، وبدءً بصندوق النقد الدولي، منتهياً إلى البنك الدولي في مجال النقد والمال، وبدءً باليونسكو وانتهاءً بحركات حقوق الإنسان في المجال الثقافي.
وهكذا وهلم جرا، حتى القنوات الفضائية والحاسوب والإنترنت حالياً، وما سيأتي مستقبلاً يكون أكثر مصداقية مما نحن عليه اليوم.
السوق الإسلامية العالمية
مسألة: من الضروري في العولمة الاقتصادية تشكيل السوق الإسلامية المشتركة، التي تعم جميع البلاد الإسلامية من دون جمارك ولا حدود ولارسومات ولا ضرائب إلا بمقدار ذكره الشارع المقدس، وهذا مما يوجب نمو الاقتصاد وازدهاره، فإن الاقتصاد لن يكون بنظر الاقتصاديين اقتصاداً بالمعنى الصحيح ولا اقتصاداً بالمعنى السليم إلا إذا كان متطوراً نامياً، وذلك حتى يكون قادراً على حل أية مشكلة اجتماعية واقتصادية كهبوط الدخل وسقوط العائد اليومي للفرد، والبطالة وما أشبه ذلك.
مضافاً إلى أن شجرة الاقتصاد والتجارة والسوق معلولات اجتماعية على ما ذكره البعض، كما أن شجرة البرتقال والليمون والتفاح معلولات زراعية، ولابد لكل شجرة من النمو والازدهار وإلاّ فالذبول والخمول، ثم الموت والهمود حتمي، وشجرة الاقتصاد والتجارة لم يوجدا إلاّ لينموا ويعيشا، لا ليموتا ويضمحلاّ.
هذا ولو ألقينا نظرة سريعة على حركة السوق الإسلامية المعاصرة لوجدنا أن كثيراً من النظريات الاقتصادية العالمية غير الصحيحة هي بنفسها مستخدمة فيها، وهي تنافي حرية الإنسان الاقتصادي وتخالف القوانين الحيوية الإسلامية كقانون: (حيازة المباحاة) و (الأرض لله ولمن عمرها) وقانون (السبق) [53] وما أشبه.
فنظرية الضرائب الثقيلة والسياسات التجارية التصديرية والاستيرادية، ونظرية الجمارك، ونظرية البنك الربوي وما أشبه ذلك، وكذلك بعض نظريات التكتلات الاقتصادية، فإنها غير مختلفة عن تلك التي هي موجودة في أوروبا وأمريكا.
أجل إن مسألة السوق الإسلامية المشتركة، التي نقول بضرورتها، لأنها تعد خطوة بسيطة من خطوات التكتل الاقتصادي، ومرحلة أولية من مراحل العولمة الإسلامية، ليست هي أقل حظاً ولا أضعف قدراً من السوق العربية المشتركة، فإن هذه السوق ما زالت تبدو وكأنها حبر على ورق يتجاذبها المجتمعون في مجالس الجامعة العربية، لأنها بقيت خاضعة لمتطلبات الحكام والرؤساء، ومعه لا يمكن لمثل هذه السوق أن تستقل لنفسها وتنمو وتزدهر.
كلمة لابد منها
مسألة: الحاجة توجب للأمة أن تكون أسيرة ورهينة، كما هو واضح، وهنا لابد من التصريح بالحقيقة المرُة التالية وهي: ما تواجه الأمة الإسلامية من الضعف والتأخر في المجال العلمي والتكنولوجي وما أشبه.
وهذا مما يؤثر كثيراً في انتشار العولمة، فإن كل صاحب عولمة يسعى إلى تحقيق عولمته الخاصة، والذي يقدر على أن يصنع التقنية ويبدعها هو الذي يقدر على تحقيق عولمته وتطبيقها، لا كل من يمتلك التقنية أو يستعملها فقط.
وقد ورد في الحديث الشريف: «احتج إلى من شئت تكن أسيره»[54].
ومن لم يبتدع التقنية يحتاج في اقتنائها إلى غيره، فيكون أسيره، والمسلمون قد أصبحوا اليوم وللأسف الشديد من المستهلكين فقط لا من المبدعين، مما ينبغي لهم أن يكونوا كما كانوا في الأمس هم أول مبتدع ومبتكر في كل المجالات.
نعم لابد أن يهتم المسلمون في رفع مستوى وعيهم، وسطح علمهم، حتى يدركوا معنى الآية الكريمة: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)) [55] ويعلموا تحليلها العلمي والعملي الدقيق، ويعلموا أن الحاسوب والإنترنت من وسائل القوة، وكذلك الفضائيات، ويعرفوا أن علم الرياضيات والهيئة من مقومات القوة، ويعرفوا أن علم النفس والاجتماع، وعلم الحيوان والنبات، وعلوم الوراثة والهندسة والطب وغيرها من العلوم العصرية من مقومات القوة، بل إنها جميعاً من الواجبات الكفائية على المسلمين، والتي إذا تركها المسلمون جميعاً أثم الجميع بتركها. وقد كان المسلمون يوماً هم السبّاقون في هذا المجال وكل المجالات الحيوية الأخرى، وذلك عندما كان الغرب يعيش في ظلام القرون الوسطى وجاهلية الجهلاء، فعليهم أن يستعيدوا اليوم ما كانوا عليه بالأمس فإنهم سينتصرون إن شاء الله تعالى.
أجل، إن من اللازم على المسلمين أن يعرفوا أن العلم هو من أهم الوسائل إلى معرفة الله القادر الحكيم، والخالق العليم، وأن القرآن الكريم استهل عند نزوله بالعلم وأمر به، وانه أراد من الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يقول في دعائه: ((وقل رب زدني علماً)) [56] مع كثرة ما علّمه الله تعالى من علوم الأولين والآخرين، وأنه أراد من الناس أن يتفكروا في آيات الله تعالى وفيما خلق الله تعالى ويتدبروها، كي يعملوا ويعلموا أن: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)) [57].
ثم يأخذوا بالعلم في جميع المجالات ليستعيدوا عزهم وكرامتهم التي وصلوا إليها ببركة الإسلام وتعاليم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
استقامة العولمة باستقامة أصحابها
مسألة: إن المسلمين يتميزون عن غيرهم بالعدالة، فقد أمرهم الله تعالى بذلك في كتابه الكريم، حيث يقول: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون)) [58]، وذلك ليس في السلوك فحسب بل في الفكر أيضاً، فلا ينبغي بعد أن أمرنا الله بهذه الصفة الإنسانية، وميزنا بهذه الميزة الحضارية أن نرجع إلى الأعقاب وأن نكون كالذين وصفهم الله تعالى في القرآن الحكيم بأنهم أشدّ كفراً ونفاقاً، ولا ينبغي أن ينطبق علينا شيء من تلكم المواصفات غير العادلة والخارجة عن السلوك الإسلامي والإنساني.
إنما لا نريد ذلك لأن الله تعالى أراد لنا أن نكون شموليين، خارجين عن ضيق الفردية والأنانية، ناظرين برحابة صدر وسعة باع إلى العالم كله، متفكرين في إصلاحه وإسعاده.
كما أراد الله تعالى للإسلام وعولمته الشمول والاستيعاب، فقد قال سبحانه: ((وإن هذه أمتكم أمة واحدة)) [59].
وقال عزوجل: ((وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)) [60].
وقال تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة)) [61].
هذا وإذا أمعنا النظر في العلاقة بين العولمة الاقتصادية والبلدان الإسلامية، لما وجدناها أكثر ضرراً على المسلمين وعلى بلادهم من تناحرهم فيما بينهم، ومعاداة بعضهم لبعض، ومضادتهم مع أنفسهم، سواء كان هذا التناحر الذي ابتلوا به نتيجة القصور في الوعي، وغياب النظرة المستقبلية، أم كان نتيجة تحريض قوى خارجية، وتسويل شياطين الشرق والغرب، فإن كلا العاملين مذموم ومنفور، ينبغي التخلص منهما.
ثم إنا إذا أمعنا النظر ثانياً في العولمة الاقتصادية لوجدنا الارتباط بين الاقتصاد المحلي المحدود الراكد، وبين الاقتصاد العالمي النامي المتحرك، وأنه لو طبق القوانين الإسلامية الاقتصادية لكان في صالح الجميع وأنه يعود عليهم بالخير والبركة، والحركة والنمو، حيث تطلع عليهم آفاق جديدة، وتنفتح لهم أسواق المشاركة، وتتوسع أمامهم أساليب العمل، وتتطور عندهم وسائل الإنتاج، وذلك لا يكون نتيجة لتوسع الطلب على قوى العمل، بل يكون نتيجة لتوفر المعلومات الحركية للسوق الدولية والعالمية، التي أقل ما ينتج عنها هو توفير فرص العمل لآلاف العمال، وترفيه حال آلاف العوائل والأفراد المرتبطين بأولئك العاملين.
هذا ومن الواضح: إن أحداً لا يستطيع أن ينكر ما وفرته المعلومات الحركية للسوق من تكثير فرص العمل، فمثلاً صناعة أجهزة الراديو والتلفاز مثلاً، قد وفرت الآلاف من فرص العمل على أولئك الناس الذين يشتغلون حالياً في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، من إعداد وإخراج، ومن تأليف وتصوير، ومن مراسلين ومذيعين، وغير ذلك، وعلى أولئك الذين يشتغلون في صيانة تلك الأجهزة الإلكترونية من آلاف المهندسين والتقنيين، وغير ذلك من الصناعات الجديدة والحديثة، إذن العولمة الاقتصادية توفر فرص العمل للكثيرين لكن بشرط أن توفر فيها الحريات الإسلامية.