عد بن الربيع
سعد بن الربيع رضي الله عنه غزوة أحد بعد أن فرغ الناس لقتلاهم قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟000أفي الأحياء هو أم الأموات ؟)000فقال محمد بن مسلمة الأنصاري
أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد )000
فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رَمَق فقال له
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرني أن أنظر ، أفي الأحياء أنت أم الأموات ؟)000قال
أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عني السلام وقل له : إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله ان خُلِص إلى نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ومنكم عين تطرف )000قال
ثم لم أبرح حتى مات ، فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته خبره )سعد بن عبادة
سعد بن عبادة رضي الله عنه " اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " حديث شريف هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة سيد الخزرج ( أبو قيس ) ، أسلم مبكرا وشهـد بيعة العقبة والمشاهد كلها مع الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ، سخر أموالـه في خدمة الإسلام وكان يسأل الله قائلا
اللهم إنه لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه )0 حتى أصبح مثلا بالجود والكرم ، وكان يحسن العَوْمَ والرمي فسمي بالكامل000
تعذيب قريش له علمت قريش بأمر الأنصار ولقائهم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فلحقت بهم وأدركت سعد بن عبادة أحد الاثنى عشر نقيبا ، وأخذوه وربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ، وأدخلوه مكة وهم يضربونه ، يقول سعد
فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ، فيهم رجل وضيء أبيض ، شعشاع حلو من الرجال ، فقلت في نفسي : إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا000فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة فقلت في نفسي : والله ما عندهم بعد هذا من خير !000 فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم فقال
ويحك ! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟)000فقلت
بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجّاره ، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف )000قال
ويحك فاهتف باسم الرجلين ،واذكر ما بينك وبينهما)000 قال : ففعلت وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ، فقال لهما
إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ويذكر أن بينـه وبينكما جوار)000قالا
ومن هـو ؟)000 قال
سعـد بن عبادة)000قالا
صدق واللـه ، إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يظلموا ببلده) 000فجاءا فخلصا سعـد من أيديهـم ، فانطلق ، وكان الذي لكم سعـدا سهيـل بن عمرو العامـري ، وكان الرجـل الذي آوى إليه أبا البختري بن هشام000 جوده وكرمه كان سعد بن عبادة مشهوراً بالجود والكرم هو وأبوه وجدّه وولدُهُ ، وكان لهم أطُمٌ -بيت مربع مسطح- يُنادَى عليه كل يوم
من أحبَّ الشّحْمَ واللحْمَ فليأتِ أطمَ دُليم بن حارثة )000وكانت جَفْنة سعد تدور مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيوت أزواجه000 السلام استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سعد بن عبادة فقال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )000فقال سعد
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته )000ولم يُسْمع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سلّمَ ثلاثاً ، وردَّ عليه سعد ثلاثاً ، ولم يُسْمِعْهُ ، فرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- فاتبعه سعدٌ فقال
يا رسول الله ! بأبي أنت ما سلّمتَ تسليمة إلا وهي بأذُني ، ولقد رددتُ عليك ولم أسْمِعْكَ ، أحببتُ أن أستكثرَ من سلامِكَ ومن البركة )000ثم دخلوا البيت فقرّب إليه زبيباً فأكل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ، فلمّا فرغ قال
أكلَ طعامكم الأبرار ، وصلّتْ عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون )000 الخُلُق الصالح جاء سعد بن عبادة وابنه قيس بن سعد بزاملةٍ -ناقة يُحمل عليها- تحمل زاداً ، يؤمّان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني يوم ضلّتْ زاملتُهُ -صلى الله عليه وسلم- في حجّة الوداع ، حتى يجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقفاً عند باب منزله ، فقد أتى الله بزاملته ، فقال سعد
يا رسول الله ! بلغنا أن زاملتَكَ ضلت مع الغلام وهذه زاملةٌ مكانها )000فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قد جاءَ الله بزاملتِنا ، فارجِعا بزاملتكما بارك الله عليكما ، أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتكَ منذ نزلنا المدينة ؟)000قال سعد
يا رسول الله ! المنّة لله ولرسوله ، والله يا رسول الله للذي تأخذ من أموالنا أحبُّ إلينا من الذي تَدَعُ )000قال -صلى الله عليه وسلم-
صدقتُم يا أبا ثابت ، أبشِرْ فقد أفلحت ، إن الأخلاقَ بيد الله ، فمن أراد أن يمنحَه منها خُلقاً صالحاً منحَهُ ، ولقد مَنَحَكَ الله خُلقاً صالحاً )000فقال سعد
الحمد لله هو فعل ذلك )000 راية الأنصار يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-
كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المواطن كلها رايتان ، مع علي بن أبي طالب راية المهاجرين ، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار )000 غزوة الغابة في غزوة الغابة أقام سعد بن عبادة في المدينة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة خمسَ ليالٍ حتى رجع النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- وبعث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأحمالِ تمر ، وبعشر جزائر -ناقة- بذي قرد وكان في الناس قيس بن سعد بن عبادة على فرسٍ له يُقال له الوَرْد ، وكان هو الذي قرّب الجُزُرَ والتمرَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يا قيس ، بعَثَك أبوك فارساً ، وقوّى المجاهدين ، وحرس المدينة من العدو ، اللهم ارحم سعداً وآل سعد )000 ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
نِعْمَ المَرْءُ سعد بن عبادة )000فتكلمت الخزرج فقالت
يا رسول الله ! هو نقيبنا وسيّدنا وابن سيدنا ، كانوا يُطعمون في المَحْـلِ ، ويحملون في الكَـلِّ ، ويَقْرون الضيـف ، ويُطعمون في النائبـة ، ويحملون عن العشيرة )000فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم-
خيارُ النّاس في الإسلام خيارُهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدّين )000 يوم الفتح كانت شخصية سعد تتسم بالشدة والقوة ، ففي يوم فتح مكة جعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- أميرا على فيلق من جيش المسلمين ، ولم يكد يصل الى مشارف مكة حتى صاح
اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة )000فكأنه عندما رأى مكة مستسلمة لجيش الفتح ، تذكر كل صور العذاب الذي صبته على المؤمنين وكان ذنبهم أن يقولوا : لا إله إلا الله ، فدفعه الى توعدهم000فسمعه عمر بن الخطاب وسارع الى النبي قائلا
يا رسول الله ، اسمع ما قال سعد بن عبادة ، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة )000فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا كرم الله وجهه أن يدركه ، ويأخذ الراية منه ، ويتأمر مكانه000 يوم حنين أعطى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أعطى من العطايا ولم يكن للأنصار منها شيء ، حتى كثرت منهم القالة ، وقال قائلهم : ( لقي والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه )000وقال سعد للرسول
يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء )000فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
فأين أنت من ذلك يا سعد ؟)000قال : ( يا رسول الله ما أنا إلا من قومي )000قال : ( فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة )000 فلما اجتمعوا أتاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه وقال : ( يا معشر الأنصار ، ما قالة بلغتني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ! ألم آتكم ضُـلالا فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ! )000فقالوا : ( بلى ، الله ورسوله أمـن وأفضـل )000ثم قال
ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟)000قالوا
بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل !)000قال -صلى الله عليه وسلم-
أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصَدقتم ولصُدّقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكَلْتكم الى إسلامكم ! ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله الى رحـالكم ؟ 000 فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجـرة لكنت أمرأ من الأنصـار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ! اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار )000فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا وسعد معهم
رضينا برسول الله قسما وحظا )000 يوم السقيفة ولما قبض الرسول -صلى الله عليه وسلم- انحاز بعض الأنصار الى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة منادين بأن يكون خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وخطب فيهم سعد -رضي الله عنه- موضحا أحقية الأنصار بذلك ،ولكن لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد استخلف أبا بكر على الصلاة أثناء مرضه ، فهم الصحابة أن هذا الاستخلاف مؤيدا لخلافة أبي بكر000وتزعم عمر بن الخطاب هذا الرأي000وسارع أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح -رضي الله عنهم- إلى الأنصار ، واشتد النقاش حول أحقية الخلافة ، وخطب أبوبكر الصديق خطبة بين فيها فضل المهاجرين والأنصار وقال في خاتمتها
هذا عمر وهذا أبوعبيدة فأيهما شئتم فبايعوا)000 فقال الاثنان
لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك )000 ثم قال عمر
ابسط يدك نبايعك )000فسبقهما بشير بن سعد -رضي الله عنه- وهو من كبار الأنصار وبايع أبا بكر وتلاه عمر وأبو عبيدة ، فقام الحاضرون من الأنصار والمهاجرين فبايعوه000وفي اليوم التالي اجتمع المسلمون في المسجد وبايعوه بيعة عامة000 خلافة عمر في الأيام الأولى من خلافة عمر -رضي الله عنه- ، ذهب سعد الى أمير المؤمنين ، وقال بصراحته المتطرفة
كان صاحبك أبو بكر -والله- أحب إلينا منك ، وقد -والله- أصبحتُ كارهاً لجوارك )000فأجاب عمر بهدوء
إن من كره جوار جاره ، تحول عنه )000وعاد سعد فقال
إني متحول إلى جوار من هو خير عنك )000وبهذا أراد سعد ألا ينتظر ظروفا قد تطرأ بخلاف بينه وبين أمير المؤمنين ، خلاف لا يريده ولا يرضاه000 وفاته شـدّ سعد بن عبادة -رضي اللـه عنه- الرحال إلى الشام ، وما كاد أن يبلغهـا وينزل أرض حوران حتى دعـاه أجله وأفضى إلى جوار ربـه الرحيم سنة ( 14 هـ )