الفصل الرابع
آثار الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ونتائج التخلّي عنهما
المبحث الاَول
آثار الاَداء
من خلال ما تقدّم من آيات كريمة وأحاديث شريفة نستطيع القول : إنّ أهم الآثار التي يحققها الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي هداية الاِنسان فرداً كان أم مجتمعاً هداية تجعله يحكّم مفاهيم الاِسلام وقيمه في عقله وقلبه وارادته ؛ لتكون الاَفكار والعواطف والممارسات العملية مطابقة للمنهج الالهي في الحياة ، عن طريق اقامة فرائض الدين القويم وشريعته السمحاء .
ومن خلال الالتزام باداء المسؤولية يتعمق الايمان بالله تعالى في العقول والقلوب ، وتتوثق الصلة مع الله تعالى والتي تضفي السكينة والطمأنينة على جميع جوارح الاِنسان ومقوّمات شخصيته في الفكر والعاطفة والسلوك ، فيتحرر من الالحاد واللاانتماء ، ومن الضياع
( 100 )
والتخبط ، ومن الضلال والعمى والحيرة ، ويتخلص من الاوهام والخرافات ، ويتوجه إلى الله تعالى مستمداً منه العون والاِسناد ، فيستشعر الامان والصفاء وهو عميق الصلة بمنعم الوجود ، وبالركن الركين الذي تتهاوى جميع مظاهر الاِسناد أمامه ، وتستقيم نفسه ومشاعره.
ويكون الحفاظ على نظام الحياة على أحسن صورة عن طريق جلب المصالح ودرء المفاسد ، فيصبح المجتمع في قمة السعادة وهو يسعى إلى الاعمار والبناء الحضاري ، ويعمّ الخير والصلاح جميع مرافق الحياة ؛ لسمو المقاصد ونبل الاهداف المراد تقريرها وتحقيقها في الواقع .
والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ان قام به المجتمع فانه يحقق الاَمن والسلام والطمأنينة ، فيقضى بواسطة ادائه على جميع ألوان العدوان والاضطهاد والاستغلال ، ويتحقق العدل ، وتحفظ كرامة الاِنسان وحريته ، ويتم الحفاظ على سلامة الارواح والاعراض والاَموال ، ويُقضى من خلال أدائه على جميع ألوان الاعتداء فيعيش الناس آمنين مطمئنين .
فمن آثار أداء مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعميق الاواصر الاسلامية ، وتوحيد الصف الاسلامي في ضوء وحدة العقيدة ووحدة السلوك ووحدة المصالح ووحدة المصير ، ويعيش المجتمع حياة الاخاء والتعاون والتآزر والتكاتف والتناصر .
ومن آثار أداء المسؤولية القضاء على جميع الوان الانحراف والفساد ، واشاعة الاخلاق الحسنة في العلاقات الاجتماعية لتقوم على قواعد وأسس الشريعة ، حيث الصدق والوفاء ، والتراحم والتناصح ، واداء الامانة ، والرفق والاحسان ، والانطلاق لاِسعاد المجتمع .
( 101 )
ومن آثاره السياسية الشعور بالمسؤولية من قبل الجميع ، وايصال عدول الفقهاء الى موقعهم الريادي ، وتطبيق حكم الله في الارض طبقاً لقواعد الشريعة ، وزوال الفوارق بين الحكام والمحكومين ، والتآزر من أجل الاهداف الواحدة ، ومنع المنحرفين من الوصول الى المراكز الحساسة في السلطة السياسية .
ومن آثاره الاقتصادية اقامة التوازن الاقتصادي ، الذي يتحقق عن طريق التكافل والحث على الانفاق الطوعي في وجوه الخير ، والدعوة الى القناعة والكفاف وعدم التبذير ، والنهي عن الغش واكل الاموال بالباطل ، وأداء الواجبات المالية كالزكاة والخمس ، اضافة الى قيام الدولة بواجباتها فى اقامة التوازن ، فتتحقق الرفاهية للمجتمع باشباع حاجات الفقراء والمستضعفين .
وبالاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزداد الوعي في صفوف المجتمع ، وتتفتح آفاق العقول لتنطلق نحو الابداع الخلاّق ، وتتقدم العلوم ، لتكون خادمة للمفاهيم والقيم الاِسلامية .
ومن آثاره لطف الله تعالى بعباده ورحمته لهم ، ورضوانه عليهم ، قال تعالى : ( وَلَو أنَّ أهلَ القُرى آمنُوا واتَّقَوا لَفَتَحنَا عَليهِم بَرَكَاتٍ مِن السَّماءِ وَالاَرضِ ...) (1).
وقال تعالى : ( وألّوِ استَقَامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ لاَسقَيناهُم مَّاءً غَدَقاً ) (2).
____________
1) الاَعراف : 7 / 96 .
2) سورة الجن : 72 / 16 .
( 102 )
وقد وردت آيات عديدة في فلاح الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وفي رحمة الله لهم .
ومن آثاره القضاء على جميع الامراض والاسقام التي تنتج من الانحراف السلوكي ، كما نشاهد عند غير الملتزمين بالاسلام ، كالامراض النفسية ، والامراض الجسدية المتعلقة بالانحراف الجنسي ، والادمان ، والانتحار ، والتشتت الاَُسري وغير ذلك كثير .
المبحث الثاني
آثار التخلي عن أداء مسؤولية
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إنّ ارادة الله تعالى قد جعلت للحياة سنناً ثابتة ونواميس راسخة لاتختلف ولا تتخلف في جميع مراحل الحياة الانسانية ، وان موافقة هذه السنن والنواميس والسير في ضوئها تثمر ثمارها وتنتج نتائجها الايجابية في حركة المجتمع ، كما ان مخالفتها وعدم السير في دائرة ضوئها تنتج العكس والسلبية ، وحين توجد الاسباب تتبعها النتائج .
ومن هذه السنن : ( إنَّ اللهَ لا يُغَيّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيّرُوا مَا بِأنفُسِهِم ) (1).
وقوله تعالى : ( ذَلِكَ بأنَّ اللهَ لَم يَكُ مُغَيَّراً نّعِمةً أنعَمَهَا على قَومٍ حَتّى يُغَيّرُوا
____________
1) سورة الرعد : 13 / 11 .
( 103 )
مَا بِأنفُسِهِم ) (1).
ويرتّب الله تعالى في ضوء هذه السنن والنواميس آثاراً ونتائج سلبية إن ترك الناس الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتخلّوا عن اداء المسؤولية ، ومن هذه الآثار والنتائج :
أولاً : العقاب الالهي :
حين يتخلى الناس عن مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سيزداد الانحراف لفقدان الموجّه والمرشد والرادع ، فيفقد كل شيء استقامته ، وتفقد الموازين سلامتها ، ولا يكون إلاّ العوج الذي لا يستقيم ، وكل ذلك مدعاة إلى سلب الرحمة منهم ، وانزال العقاب بالجميع ، المنحرفين والمتقاعسين عن الدعوة والاصلاح معاً ، والعقاب يمثل الوخزة الموقظة التي تعيد الناس الى الاستقامة .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « والذي نفس محمد بيده لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكنّ الله ان يبعث عليكم عقاباً من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم »(2).
ويكون العذاب شاملاً لا يختصّ بالمرتكبين للمنكر فقط ، بل يعمّ غيرهم ممّن لم يرتكبه ؛ لاَنّهم سكتوا عن تغييره .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ الله عزَّ وجلَّ لا يعذّب العامة بعمل الخاصة
____________
1) سورة الاَنفال : 8 / 53 .
2) كنز العمال 3 : 68 .
( 104 )
حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذّب الله العامّة والخاصة » (1).
والعقاب الالهي له مظاهر وألوان مختلفة ، فقد يكون بنزع البركات ، أو بالآفات السماوية ، أو اذاقة البعض بأس البعض الآخر .
قال تعالى : ( قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلى أن يَبعثَ عَليكُم عَذَاباً مِّن فَوقِكُم أو مِن تَحتِ أرجُلِكُم أو يَلبِسَكُم شِيعاً وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأس بَعضٍ... ) (2).
ثانياً : اللعنة الاِلهية :
من آثار ونتائج التخلي عن مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، شمول الناس اللعنة الالهية ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « وإنّ عندكم الاَمثال من بأس الله وقوارعه ، وأيّامه ووقائعه ، فلا تستبطئوا وعيده جهلاً بأخذه ، وتهاوناً ببطشه ، ويأساً من بأسه ، فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلاّ لتركهم الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي ... »(3).
واللعنة إن نزلت على المجتمع جعلته يعيش بعيداً عن اللطف والرأفة والرحمة ، فلا يؤيدهم الله تعالى ، ولا يثبتهم ، ولا يؤنسهم ، ويدعهم لوحدهم دون اسناد ، ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم ؛ حيث القلق والاضطراب والازمات النفسية ، بسبب الانحراف والظلم والاعتداء وفقدان الطمأنينة .
____________
1) مجمع الزوائد 7 : 267 .
2) سورة الاَنعام : 6 / 65 .
3) نهج البلاغة : 399 ، الخطبة : 192 .
( 105 )
ثالثاً : الهلاك :
إنّ تطبيق المنهج الاِسلامي في الحياة هو احياء للعقل والقلب والارادة ، قال تعالى : ( يَا أيُّها الَّذين آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُم لِما يُحيِيكُم... ) (1).
والاِحياء هو الفاعلية والنمو والامتداد والبناء ، والازدهار الحضاري ، والتأثر والتأثير في واقع الحياة .
ونقيض الاِحياء هو الهلاك المتجسد بالسلبية والخمود وايثار الراحة والبلادة التي تميت عناصر الحيوية في جميع مقومات الاِنسان العقلية والروحية والسلوكية ، وخنق الطاقات والقابليات .
ولذا فإنّ التخلي عن المسؤولية الهادفة إلى احياء الاِنسان في فكره وعاطفته وسلوكه ، يؤدي إلى الهلاك بالخمود والجمود ثم الاضمحلال ، كما اضمحلت الامم والحضارات في التاريخ .
رابعاً : الانقلاب :
إنّ التخلي عن مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى الانقلاب والتراجع ، حيث تنقلب المفاهيم والقيم ، وتنقلب مقومات الشخصية الانسانية وينقلب كل شيء في حياة الفرد والمجتمع ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهادُ بأيديكم ، ثم بألسنتكم ، ثم بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ، ولم ينكر منكراً ، قُلِبَ
____________
1) سورة الاَنفال : 8 / 24 .
( 106 )
فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه »(1).
فيبدأ الانقلاب بالفكر ثم العاطفة ثم السلوك ، فيعود الاِنسان والمجتمع إلى حياة الاوهام والخرافات ، ويعيش أواصر الضلال والظلمات ، ثم تنقلب عاطفته فيوالي من أمره الله تعالى بالتبري منهم ، وفي السلوك حيث يعيش الانحراف والانحطاط والرذيلة .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، وفسق شبابكم ، ولم يأمروا بمعروفٍ ولم ينهوا عن منكر » ، فقيل له : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ ، فقال : « نعم ، وشرُّ من ذلك ، فكيف بكم إذا آتيتم المنكر ونهيتم عن المعروف ؟ » ، فقيل له : يا رسول الله ويكون ذلك ، فقال : « نعم ، وشرُّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً » (2).
فتنقلب المفاهيم والقيم والموازين ، ويكون هذا الانقلاب هو الحاكم على تقييم الاحداث والمواقف والوجودات ، وتقوم الحياة على أساسه ، فلا يبقى مأمن من اضطراب الاَهواء واختلاف الامزجة ، وتصادم المصالح والمنافع .
خامساً : سيطرة الاَشرار على مقاليد الاُمور :
التخلي عن أداء الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يؤدي إلى ازدياد عدد المنحرفين والاَشرار ، وانحسار عدد الصالحين والاخيار ، ويؤدي إلى خلق الظروف الملائمة لتمادي المنحرفين والاشرار في انحرافهم وشرّهم إثر غياب الرادع لهم ، والمتابع عليهم زلاتهم وفسادهم ، حيث يأمنون من
____________
1) نهج البلاغة : 542 ، الحكمة : 375 .
2) مشكاة الاَنوار : 49 .
( 107 )
عدم الاعتراض وعدم الملاحقة ، فتنطلق إرادتهم الضعيفة أمام الشهوات ، وأنفسهم الشريرة من عقالها ، فيعملون ما يحلو لهم ، ثم يكون الاَمر لهم ليسيطروا على مقاليد الاُمور ، ويوجهون الناس حسبما يرون ويشاؤون ، وتكون الكرّة لهم لملاحقة ومطاردة الاخيار والصالحين في جميع ميادين الحياة ، ولا يبقى للاخيار والصالحين أي منفذٍ للنجاة أو النهوض بالاَمر من جديد ، فيعيشون الذل والامتهان اضافة إلى الاذى والتعذيب ، وأعظم من ذلك تخلي الرعاية الالهية عنهم ، وعدم استجابة الله تعالى لدعائهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لتأمرنّ بالمعروف وتنهونَّ عن المنكر ، أو ليسلطنَّ الله عليكم شراركم فليسومُنّكم سوء العذاب ، ثم ليدعو خياركم فلايستجاب لهم ، لتأمرن بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ، أو ليبعثنَّ الله عليكم من لا يرحم صغيركم ، ولا يوقّر كبيركم » (1).
وإذا تسلط الاشرار عمّ الظلم والجور والاعتداء على الاَنفس والاعراض والاَموال ، والاعتداء على جميع الحرمات والمقدسات ، وعمّ فساد الاَخلاق وتحلّلها ، وضعف العلاقات الاجتماعية ، وتفكك كيان الاُسرة التي هي نقطة البدء في اصلاح الجيل الناشئ ، والحفاظ على سلامته الروحية ، وحينئذٍ سيُفتقد الاَمان والاستقرار والطمأنينة .
____________