الثقافة بين المعنى العامي والانتروبولوجي
السؤال الإشكالي هل المعنى العامي للثقافة يعبر عن حقيقة الثقافة ؟
المقدمة
شكلت اشكالية الثقافة تساؤلات واختلافات كثيرة بين مختلف المفكرين والفلاسفة حديثا وقديما ؛ بحيث اتجه محور الاهتمام إلى محاولة ضبط مفهومها وتفسير معانيها ؛ فنتج عن ذلك تصورين الأول مهتم بها على أساس أنها سعة الاطلاع ؛ والثاني يحصرها في المعنى الانتربولوجي الذي يرى فيه التصور الصحيح لمفهومها وأمام هذا الاختلاف في الطرح نقف عند الاشكالية التالية هل الثقافة هي سعة الاطلاع وكسب مهارات تجعل الشخص فطنا ومثقفا أم يتعدى ذلك إلى مفهوم أخر ؟
التوسيع
الاطروحة المعنى العامي يعبر عن حقيقة الثقافة
يرى أنصار الأطروحة أن الثقافة في معناها المتداول هي الاطلاع المعمق من الإنتاج الرفيع كالعلوم ؛ الآداب ؛ الفن..
وبرهن أنصار الأطروحة على فكرتهم أن المثقف هو من يحيط بموضوع تخصصه ويبرز فيه بشكل أحسن ؛ وقد يكون المثقف عالما أو مفكرا متخصصا في الدراسات العالية ؛ ويقابل هؤولاء الذين تلقوا قسطا من المعرفة الكلاسيكية دون تخصص أو تقدم ما ؛ قد نسميهم شبه مثقفين والذين تلقوا تعليما متواضعا لا يعدوا مثقفين ؛ وما يبرر ذلك هو الفكرة السائدة اجتماعيا والتي تخص الثقافة في هذا الإطار؛ بحيث يرجع الى الطبقية التي تساوي الانتاجات الرفيعة وهو مجال الطبقة الراقية وباقي الانتاجات الاخرى كالتراث الشعبي وهو سلوك ثقافي من تفكير البسطاء لذلك فالثقافة أوسع مجالا من ذلك ؛ وداخل المجتمعات المختلفة يوجد المثقف الذي يعتريه تفكير العامة وتفكيره الخاص ويكون مطلعا على مختلف الأنماط الفكرية ونطلق عليه اسم الفطن والعارف بمايحيط به من ثقافة أي ملم بجميع المظاهر الثقافية وهذه السعة في الاطلاع تسمح بالقول أن الثقافة منخرطة في فلك التصور الذي يؤكد على عامية مفهومها الذي يظل متمسكا بمختلف التصورات المؤكدة على الثقافة العامة والتي تتلخص في إدراك الحقائق في شتى المواضيع وان تعددت فالمثقف يريد الإلمام بها في النهاية
نقد الأطروحة
يبدو أن أنصار الأطروحة قد اقتنعوا بفكرة التعريف العامي للثقافة وهذا لا يعطي مفهوما حقيقيا للثقافة ؛ فالمثقف بهذا المعنى لا يكون ملما بجميع جوانب الثقافة ومظاهرها المرتبطة بها كما أن الانتاجات الرفيعة لا تكون متوفرة لديه جميعها
نقيض الاطروحة "الثقافة ذات معنى انتروبولوجي
يرى أنصار الأطروحة ان الثقافة في معناها الانتربولوجي تعبر عن حقيقتها انطلاقا من المظاهر التي تعكس ذلك والتي أبدعها البشر داخل مجتمعاتهم الإنسانية
ويبرهن أنصار الأطروحة على فكرتهم بحجة النظم الثقافية التي انتجها الإنسان تقع على محيط طبيعة العيش في ظل مختلف الشروط التي تحيط به ؛ ومن هنا فالثقافة هي ذلك الكل المركب من الدين ؛ الفن ؛ العادات ؛ الفلسفة ؛ العلم ومايمكن للفرد أن يكتسبه من حيث هو عضو داخل المجتمع ومن هنا يقول ادوارد تايلور أن الثقافة ليست مجرد أفكار عامة لا بل قيم ثقافية رفيعة تشمل على كل مناحي الإنسانية الواجب أن تتوفر في المثقف لان نطلق عليه اسم المثقف حقيقة ؛ مايعني أن المفهوم الحقيقي للثقافة مستوحى من انتاجات المجتمع الرفيعة والتي تعبر عن الذات المثقفة وعلى رأس ذلك الفلسفة لا نها المقياس الذي تقاس به درجة الثقافة في تطورها أو تخلفها ؛ ومن هذا التصور يتبين ان هناك ثقافات ضيقة وأخرى واسعة الانتشار فجوهر الثقافة ؛ كامن في فهم الإنسان لوسطه مع الارتباط بمختلف التقاليد والدين وكذا الفلسفة ؛ والى مختلف الفنون التي تروقه وتستجيب لأذواقه ويعتقد أنصار الأطروحة أن المثقف يكون عارفا إذا كان عارفا بتخصصه وبارزا فيه وهكذا بإمكان الإنسان أن يعبر عن أفكاره الثقافية متجاوزا كل فكر له علاقة بالخرافة أو الأسطورة وعليه فالثقافة كل مركب ذو معنى انتربولوجي
نقد نقيض الاطروحة
إن أنصار الأطروحة قد أكدوا على فكرة انتروبولوجية الثقافة والأمر لا ينعكس على جميع المجتمعات الإنسانية وهذا الأمر يعود في الأصل إلى التنوع الثقافي وفي ذلك تباين في فهم الثقافة . التركيب بعدعرض الأطروحتين يتبين أن الثقافة بين التصور العامي والانتروبولوجي وتبقى كنمط معرفي للإنسان يتولد من الرغبة في مواصلة المجهود لخلق فكر يليق به كانسان ؛ ومن هنا يبقى للثقافة اثر ودور وليست مجرد منتوج ينظر إليه في صورة التراكم فهي مطورة للفرد والمجتمع علميا وفلسفيا
الخاتمة
يمكن القول في الختام ان تعريف الثقافة يقوم على أساس فكري ؛ فالإنتاج الثقافي هو تعريف لمظاهر الإنسان التي تبقى عاكسة لحقيقته وتبقى الثقافة كمنظومة معقدة يحاول من خلالها الإنسان الاستفادة من كل صفاتها ؛ لان يكسب انسانيته
أرجوا من الذين يستفدوا من هذه المقالات الدعاء .